الأيديولوجيا في سياسة الدول بين المبدأ والذريعة
مقالات
الأيديولوجيا في سياسة الدول بين المبدأ والذريعة
وائل المولى
3 تشرين الأول 2025 , 08:51 ص

‏منذ أن عرف العالم الدولة الحديثة، لم تخلُ السياسة من الأيديولوجيات. فالأفكار الكبرى – من الدين والقومية إلى الليبرالية والاشتراكية – شكّلت محركات أساسية للخطاب السياسي وصناعة القرار. غير أنّ هذه الأيديولوجيات لم تكن دائمًا انعكاسًا لقيم صافية أو مبادئ ثابتة، بل كثيرا ما تحولت إلى أدوات براغماتية تخدم أهداف النفوذ والمصالح.

‏في التاريخ القريب، استخدمت دول كبرى الأيديولوجيا كسلاح ناعم لتوسيع دوائر نفوذها. فالاتحاد السوفييتي لم يقدّم الشيوعية مجرد نظرية اقتصادية – اجتماعية، بل جعلها أداة للتأثير خارج حدوده، في المقابل رفعت الولايات المتحدة شعار الحرية والديمقراطية لتبرير سياساتها الخارجية، بينما كانت تحمي مصالحها الاستراتيجية في مناطق النزاع. وهكذا، تداخلت القيم مع الحسابات الباردة للسياسة، ليصبح من الصعب التمييز بين المبدأ والذريعة.

‏في منطقتنا العربية، كان المشهد أوضح. فقد استُخدمت القومية تارةً لتوحيد الشعوب خلف أنظمة تسعى إلى تثبيت سلطتها، والدين و الطائفة تارةً أخرى لشرعنة حكم أو لتعبئة الشارع ضد خصوم سياسيين. ولم يكن الهدف في معظم الحالات بناء مشروع حضاري بقدر ما كان تحشيد الجماهير وضمان الولاء.

‏الأخطر من ذلك أن الأيديولوجيا حين تُستعمل كسلاح سياسي، تتحول إلى قيد على وعي الشعوب. فالمواطن يُستدرج إلى معارك شعاراتية، ويُقنع بأنه يقاتل من أجل قضية عادلة، بينما الحقيقة أن الصراع يُدار لمصالح نخبة ضيقة. وهنا تصبح الأيديولوجيا وسيلة لتبرير الحروب، وإعادة إنتاج الاستبداد، وإخفاء فشل التنمية خلف خطاب عاطفي.

‏ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الأيديولوجيا قادرة على لعب دور إيجابي إذا ارتبطت برؤية صادقة وإصلاحية. فهي تمنح السياسة بُعدا أخلاقيا، وتشكّل جسراً بين الشعوب وأحلامها. لكن هذا الدور يظل هشّاً إذا لم يكن مدعومًا بمؤسسات ديمقراطية وشفافية في الحكم.

‏في النهاية، تبقى الأيديولوجيا سيفا ذا حدين: إمّا أن تكون وقودا للنهضة، أو أداةً للهيمنة. وما يحدد مصيرها ليس الشعارات المرفوعة، بل كيفية توظيفها في بناء الدولة وخدمة الإنسان.

المصدر: موقع اضاءات الإخباري