إيران من مركزية الدولة إلى شبكة المقاومة
مقالات
إيران من مركزية الدولة إلى شبكة المقاومة
وائل المولى
4 تشرين الأول 2025 , 19:34 م

تخوض إيران اليوم مرحلة دقيقة من إعادة البناء، بعد سلسلة من الضربات التي كشفت هشاشة مركزية القرار العسكري والاستخباراتي. لم تعد طهران تتحدث عن “الانتقام”، بل عن “إعادة التشكيل” — أي الانتقال من دولة تقود مقاومة مركزية، إلى منظومة شبكية قادرة على العمل رغم أي شلل يصيب مركز القيادة.

 تحول من الدولة إلى الشبكة

أدركت إيران أن نموذجها التقليدي لم يعد ملائماً لحروب الذكاء الصناعي والفضاء السيبراني. لذا شرعت في بناء “مقاومة لامركزية” تتوزع فيها مراكز القرار والإنتاج والاستخبارات على شكل خلايا مستقلة مترابطة. هذه الشبكة تُبقي الردع قائماً حتى لو تعطل المركز.

 ترسانة جديدة بعقل جديد

بدلاً من المنشآت الكبرى المكشوفة، انتقلت طهران إلى وحدات إنتاج متنقلة وتحت الأرض، تُطور محركات دقيقة وأقماراً صناعية صغيرة للاتصال والاستخبار. كما دمجت منظومات “بافار–373” المطوّرة في شبكة إنذار محلية تشكل درعاً دفاعياً مرناً.

وفي البحر، توسعت في استخدام المنصات العائمة والطائرات المسيّرة، ما أعاد رسم توازن الردع في الخليج والبحر الأحمر نحو مواجهات غير تقليدية يصعب التنبؤ بها.

 الفضاء السيبراني والاستخبارات الذكية

باتت المعلومة سلاحاً موازياً للصاروخ. لذلك ركزت إيران على تطوير الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الميدانية والتشويش والرصد في الزمن الحقيقي، بهدف ضمان بقاء وحدات المقاومة قادرة على العمل دون الحاجة إلى قيادة مركزية. المعرفة أصبحت جوهر “الصمود المعلوماتي”.

 فلسفة اللامركزية

اللامركزية الإيرانية لا تُقاس بعدد الميليشيات، بل بقدرتها على اتخاذ القرار المستقل. كل ذراع من أذرع المقاومة — من المسيّرات إلى الحرب الإلكترونية — تتحرك ضمن شبكة مترابطة، ترد تلقائياً دون انتظار أوامر مباشرة. إنها مقاومة مرنة، خفية، طويلة النفس.

 سباق إقليمي جديد

تراقب دول الخليج والغرب هذا التحول بقلق، إذ بات من الصعب استهداف منظومة تتوزع فيها مراكز القرار والإنتاج. ومع تزايد الضغوط الاقتصادية والسياسية، تميل إيران إلى الجمع بين الردع العسكري والانفتاح الدبلوماسي لتأمين وقتها ومساحتها في إعادة التموضع.

 خلاصة المشهد 

ما يحدث في طهران ليس مجرد ترميم بنية دفاعية، بل ولادة نموذج ردع جديد: “جمهورية شبكية” تمتد عبر حدود الدولة، أكثر مرونة واستدامة من أي نموذج سابق. إيران لم تعد تتحرك كدولة فقط، بل كمنظومة مقاومة متعددة المراكز، قادرة على البقاء في أصعب لحظات الصراع.

المصدر: موقع اضاءات الإخباري