ترامب يحرم جنوده من رواتبهم ويغدق على إسرائيل؛ مفارقة الإغلاق الحكومي
مقالات
ترامب يحرم جنوده من رواتبهم ويغدق على إسرائيل؛ مفارقة الإغلاق الحكومي
عدنان علامه
4 تشرين الأول 2025 , 23:20 م


عدنان علامه -عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

دخلت الولايات المتحدة مطلع الشهر الحالي في إغلاق حكومي شامل بعد فشل الكونغرس في تمرير مشروع الموازنة الفدرالية، وهو الإغلاق الأول في عهد ترامب بعد عودته إلى البيت الأبيض.

فالإغلاق هذه المرة لم يطال فقط المؤسسات المدنية، بل أصاب المؤسسة العسكرية في صميمها، إذ حُرم أكثر من 1.3 مليون جندي أمريكي من رواتبهم الشهرية للمرة الأولى منذ عقود، في مشهد مهين لأكبر جيش في العالم.

فالخلاف داخل الكونغرس يتمحور حول أولويات الإنفاق، بين إدارة ترامب التي تصرّ على تمرير تمويلات إضافية لمشاريعه الخارجية وخاصة الدعم العسكري لإسرائيل، وبين الديمقراطيين الذين يطالبون بتمويل برامج الرعاية الصحية والتعليم وحماية الفئات المتوسطة.

غير أنّ المفارقة الصارخة تكمن في أنّ الرئيس الذي يُنفق بلا حدود على عمليات الإبادة الإسرائيلية في غزة والضفة، والعدوان على إيران، يعجز عن دفع رواتب جنوده في الداخل الأمريكي.

ففي الوقت الذي وافق فيه ترامب مؤخرًا على حزمة دعم عاجلة لإسرائيل تجاوزت 17 مليار دولار، كما أرسلت الإدارة الأمريكية في عهدي بايدن وترامب جسر جوي وآخر بحري، أعلنت عنه إسرائيل بتاريخ 27 أيار/مايو 2025 عبارة عن حمولة 800 طائرة و140 سفينة؛ وأعلن ترامب بتاريخ 29 أيار الماضي بأنه في "مهمة من عند الله" لم يفصح عن مضمونها.

وتوقفت الرواتب العسكرية بسبب غياب الاعتمادات الفدرالية. هذا التناقض يعكس جوهر سياسة ترامب القائمة على الشعبوية الانتقائية، والولاء الخارجي، إذ يفضّل تمويل الحروب التي ترفع شعبيته لدى اليمين الإنجيلي والصهيوني، على حساب أمنه الاجتماعي والعسكري الداخلي.

فالجيش الأمريكي الذي يواصل العمل "من دون أجر مؤقتًا"، بات رمزًا لانهيار التوازن، بين السلطة التنفيذية والمؤسسة العسكرية.

ومع تفاقم الأزمة، تزداد الانتقادات داخل الأوساط العسكرية التي ترى أن الرئيس فقد الاتصال بالواقع، وأنه يُدير الدولة بمنطق التاجر الذي يساوم على كل شيء، حتى على رواتب الجنود الذين يرفعون العلم الأمريكي.

والأسوأ من ذلك، أنّ ترامب يستخدم الإغلاق الحكومي كورقة ضغط سياسية ضد خصومه، متجاهلًا أن تجميد رواتب الجنود يهدد الروح المعنوية داخل الجيش ويضعف جاهزيته، في وقتٍ تشهد فيه الولايات المتحدة توترًا دوليًا غير مسبوق بسبب انخراطها في ملفات غزة، إيران، وأوكرانيا.

فإنّ الإغلاق الحالي لا يكشف فقط عن مأزق مالي، بل عن أزمة قيمية عميقة في قلب النظام الأمريكي؛ فالرئيس الذي يدّعي حماية الأمن القومي الأمريكي، يموّل جيشًا أجنبيًا "الجيش الإسرائيلي،الذي يبيد الفلسطينيين يتسبب في مجا السكان) فيما يُهمل جيشه الوطني. وهي معادلة لم يشهدها التاريخ الأمريكي الحديث بهذا القدر من الفجاجة.

وبينما ينتظر أكثر من مليون جندي راتبهم المؤجل، يواصل ترامب التباهي بصفقاته الخارجية ودعمه "غير المشروط" لتل أبيب، وكأنّ الولاء القومي لم يعد أولوية في حسابات البيت الأبيض. إنها إهانة مزدوجة للجيش وللشعب الأمريكي، ستترك ندوبًا عميقة في علاقة المؤسسة العسكرية بالرئيس الذي لا يرى فيهم سوى أداة ضغط في لعبة سياسية لاأخلاقية.

وإنَّ غدًا لناظره قريب

04 تشرين الأول/أكتوبر 2025