أثبت فريق من الباحثين في المدرسة الفدرالية التقنية في لوزان (EPFL) أن مركبا طبيعيا يُعرف باسم أوروليثين A (Urolithin A) يمكنه القضاء على القلق والسلوك الاكتئابي دون أي تأثيرات جانبية تُذكر.
نُشرت نتائج البحث في المجلة العلمية المرموقة Biological Psychiatry (BioPsy)، وأكد العلماء أن هذا المركب يعمل على إصلاح الميتوكوندريا — وهي ما يُعرف بـ “محطات الطاقة داخل الخلايا” — مما يؤدي إلى تحسين الحالة النفسية والسلوكية بشكل ملحوظ.
مشكلة الاضطرابات النفسية الحديثة
تشير الإحصاءات إلى أن اضطرابات القلق تُشخّص سنويا لدى نحو 14% من سكان العالم.
لكن العلاجات التقليدية غالبا تُخفف الأعراض دون معالجة الأسباب البيولوجية، كما أن الأدوية النفسية قد تُسبب آثارا جانبية مزعجة أو اعتمادا دوائيا لدى بعض المرضى.
وهذا ما دفع العلماء إلى البحث عن علاج طبيعي وآمن يستهدف جذور المشكلة بدلًا من مجرد تهدئة مظاهرها الخارجية.
كيف يعمل أوروليثين A على الدماغ؟
قاد فريق البحث البروفيسورة كارمن ساندي (Carmen Sandi) التي ركزت على النواة المتكئة (Nucleus Accumbens) — وهي منطقة في الدماغ ترتبط بتنظيم العواطف والقلق والتحفيز.
في الدراسة، أُجريت تجارب على فئران تعاني من قلق مفرط، حيث تم إعطاؤها مكملا يحتوي على أوروليثين A بجرعة 25 ملغم/كغم يوميا لمدة شهرين، باستخدام مستحضر تجريبي يُعرف باسم Mitopure.
خلال التجربة، راقب العلماء سلوك الفئران ودرسوها على المستوى الخلوي والجيني لتحديد التغييرات الدقيقة الناتجة عن المركب.
القضاء الكامل على القلق دون التأثير على السلوك الطبيعي
أظهرت النتائج أن أوروليثين A نجح تماما في إزالة السلوك القلقي لدى الفئران المصابة، دون أن يُحدث أي تأثير على سلوك الحيوانات السليمة.
ووفقا للنتائج ساهم المركب في:
إصلاح الشبكات الجينية المتضررة داخل الميتوكوندريا.
تحسين إنتاج الطاقة في الخلايا.
تنظيم عملية “الالتهام الميتوكوندري” (Mitophagy)، أي التخلص من الميتوكوندريا التالفة واستبدالها بخلايا جديدة.
كما لاحظ الباحثون تحسنا في بنية الخلايا العصبية وعودة مستويات بروتين "ميتوفيوزين 2" (Mitofusin 2) — المسؤول عن صحة الخلايا العصبية — إلى معدلاتها الطبيعية.
نحو علاج مستقبلي أكثر أمانا وفعالية
صرّح العلماء بأن أوروليثين A قد يُمثل جيلا جديدا من العلاجات النفسية، إذ إنه يستهدف السبب الجذري للاضطرابات العاطفية بدلاً من معالجة الأعراض فقط.
وقالت البروفيسورة ساندي:“من خلال التأثير المباشر على أصل الاضطراب، يمكن لأوروليثين A أن يصبح بديلا آمنا ودقيقا للأدوية المهدئة التقليدية، مع تقليل احتمالية الآثار الجانبية والإدمان.”
وأكد الفريق أنهم يخططون حاليا لإجراء تجارب سريرية على البشر لتأكيد فاعلية المركب وسلامته في الاستخدام العلاجي.