أعلنت اليابان عن إطلاق أول تجربة لتخمير مشروب «السَاكِيه» التقليدي خارج كوكب الأرض، وتحديداً في الفضاء. سيجري تنفيذ التجربة على متن محطة الفضاء الدولية (ISS) باستخدام نظام مصمم لمحاكاة جاذبية القمر، كجزء من التحضيرات المستقبلية لإنشاء مستعمرات بشرية على سطح القمر .
المشروع الفضائي الياباني: DASSAI MOON
تعاونت كل من شركة Mitsubishi Heavy Industries مع دار تخمير «داسّاي» (DASSAI) اليابانية الشهيرة لإطلاق مشروع طموح يحمل اسم DASSAI MOON، يهدف إلى دراسة إمكانية إنتاج مشروبات كحولية خارج كوكب الأرض وفق موقع Наука Mail.ru.
ومن المقرر أن تُنقل معدات التجربة إلى محطة الفضاء الدولية بواسطة مركبة الشحن الفضائية HTV-X التابعة لوكالة الفضاء اليابانية JAXA.
من طعام الفضاء إلى تجربة إنسانية متكاملة
منذ عقود، يواجه رواد الفضاء تحدياً كبيراً في مسألة التغذية، إذ تقتصر وجباتهم على أطعمة مجففة أو معبأة تفتقر إلى التنوع.
لكن مع خطط إنشاء قواعد دائمة على القمر أو المريخ، أصبح الغذاء الفضائي لا يُعَد وسيلة للبقاء فقط، بل ضرورة للحفاظ على التوازن النفسي والارتباط الإنساني بالحياة الأرضية.
ويأمل العلماء أن تُضفي تجربة السَاكِيه بعداً إنسانياً جديداً على مفهوم الطعام في الفضاء — ليس كمصدر طاقة فحسب، بل كجزء من الثقافة والتجربة الاجتماعية.
هدف التجربة: إضافة «نكهة القمر»
يسعى مشروع DASSAI MOON إلى جعل وجبات المستعمرات القمرية أكثر متعة وتوازناً عبر إضافة سَاكِيه مصنوع في الفضاء.
إرسال المشروبات من الأرض إلى القمر يُعد مكلفاً للغاية، إذ تفصل المسافة بينهما أكثر من 384 ألف كيلومتر، لذا قرر الباحثون اختبار إمكانية إنتاج السَاكِيه مباشرة في ظروف الجاذبية المنخفضة.
من الناحية النظرية، يمكن نقل الأرز من الأرض، بينما يمكن استخراج الماء من جليد القمر، لكن عملية التخمير المعقدة تجعل الأمر أكثر تحدياً.
تحديات التخمير في الجاذبية المنخفضة
تُصنع مشروبات السَاكِيه عبر عملية تسمى «التخمير المتعدد المتوازي»، حيث يتحول النشاء إلى سكر، والسكر إلى كحول في الوقت نفسه — وهي عملية دقيقة تعتمد على درجة الحرارة، وحركة السوائل، والجاذبية.
لكن على القمر، تقل الجاذبية إلى سدس الجاذبية الأرضية، مما قد يؤدي إلى تغيّرات غير متوقعة في نشاط الخميرة وسلوكها الكيميائي.
تفاصيل التجربة الفضائية
في 21 أكتوبر، سينطلق صاروخ يحمل مركبة الشحن HTV-X إلى محطة الفضاء الدولية.
تحمل المركبة نظام تخمير آلياً مصغّراً يضم خزاناً صغيراً للخميرة ومِجهر مراقبة، بالإضافة إلى جهاز طرد مركزي يحاكي جاذبية القمر.
ستُجرى التجربة داخل الوحدة اليابانية «كيبو» (Kibo) لمدة أسبوعين تقريباً.
وبعد انتهاء التخمير، سيتم تجميد نحو 520 غراماً من السائل الناتج (السُّسْلَة) وإعادته إلى الأرض لتحليله.
سَاكِيه من الفضاء ... بسعر فلكي
من السائل الناتج عن التجربة سيتم إنتاج كمية محدودة من السَاكِيه تحمل اسم DASSAI MOON – Made in Space، بسعة 100 مل فقط وبسعر يُقدّر بنحو 110 ملايين ين ياباني (ما يعادل 720 ألف دولار أمريكي).
سيُخصَّص العائد المالي لدعم برامج البحث الفضائي اليابانية، بينما سيُستخدم الجزء المتبقي من العينة لأغراض بحثية ودراسات حيوية.
نحو أول نَخب قمري في التاريخ
إذا نجحت التجربة، فقد يشهد التاريخ قريباً أول «نَخب قمري» في تاريخ البشرية — ليس احتفالاً باكتشاف علمي فقط، بل بتجربة إنسانية تجمع بين العلم والثقافة والذوق.
فربما يكون أول مشروب يُرفع على القمر ليس للاحتفال بإنجاز تقني ... بل ببساطة، احتفاءً بالحياة.