وطنٌ تحت الإلغاء: كيف تُمحى أمة ويُعاد تشكيلها بالأكاذيب؟
مقالات
وطنٌ تحت الإلغاء: كيف تُمحى أمة ويُعاد تشكيلها بالأكاذيب؟

‏تتعرض سوريا اليوم لهجوم مختلف عن الحروب المألوفة ليس تدميراً مادياً فحسب، بل عمليّة ممنهجة لمحو الذاكرة وبناء هوية بديلة. الأدوات هنا ناعمة الملمس لكنها قاتلة المفعول — خرائط تُعاد رسمها، رموز تُمحى، ومؤسسات تُحوَّل إلى أدوات لتثبيت سردية واحدة. يكتبها الإسلام الجهادي السلفي السياسي برعاية تركيا 

‏لسردية تسحق كل الذاكرة والتاريخ ليكون الجيل الجديد أمام الخجل من الماضي بدلاَ من الاعتزاز فيه ومنع الجيل الحالي من الحنين والذاكرة .

‏ماتم حذفه وتغييره الآن ليس بقليل بل كفيل بأن ينشىء جيل بلا هوية ولاتاريخ ولا ارادة لأن الحذف طال كل شيء .

‏أولاً: حذف الجغرافيا والرموز الوطنية منذ الساعات الأولى لسقوط النظام ظهرت خرائط رسمية تم ضخها بكثافة بالإعلام تحذف هضبة الجولان ولواء الإسكندرون من نسخها، وتغيّر خطوط الحدود والمناطق الإدارية بطريقة تعكس رضوخاً سياسياً ورغبةً في إعادة تقسيم الذاكرة الجغرافية للشعب. هذا الحذف ليس رمزيا فحسب؛ إنه تنازل عن سيادة نفسية تُسبق التنازل عن أرض. 

‏وتغير العلم الذي يمثل حقبة الوحدة السورية -المصرية العلم الأحمر الذي يكرهه الاسلام السياسي الحاقد على جمال عبد الناصر وتغيير النشيد الذي تم اعتماده منذ تأسيس الدولة إلى دولة بلا نشيد وتحولت الفصائل الجهادية السلفية والإرهابيين الأجانب المطلوبين دولياَ إلى الجيش السوري والأمن العام بدل الشرطة ووزارات الدولة وحركتها التجارية من إدلب وأصبح الشيخ الضابط والوزير الفعلي الشيخ رغم عدم الأهلية العلمية .

‏ثانياً: تفريغ دمشق من منابر المقاومة. موجات تضييق وتسليم أسلحة وطرد قيادات فصائل فلسطينية من العاصمة أضعفت شبكة تحالفات تاريخية كانت تمثل صوتاً للقضية الفلسطينية والمقاومة؛ مغادرة هذه الفصائل علامة واضحة على إعادة تشكيل موازين القوى الداخلية والإقليمية داخل سوريا. 

‏ثالثاً: تدمير الرموز الثقافية والدينية. تُزال أسماء الشوارع والحدائق والأزقة التي حملت ذاكرة المدن؛

‏وكذلك تُهدم أو تُنقل تماثيل الشعراء والعلماء، تُسرق الآثار وتُهرّب في شبكات منظمة تستغل الفراغ الأمني لبيع كنوزنا؛ وحتى أقدم الشوارع سرقت حجاره وأقدم كنيس يهودي يتعرض للإزالة كجزء من محاولات طمس تعددية البلاد الثقافية. تقارير وتحقيقات صحفية وثائقية تؤكد توسع نهب الآثار وغياب آليات فعّالة للحماية. 

‏رابعاً: العبث بالمعالم الإسلامية التاريخية. إدعاءات الترميم التي تُقدّم على أنها إنقاذ تراث قد تُستخدم لتغيير طابع مواقع تاريخية، والجدل حول أعمال في داخل الجامع الأموي وضريح النبي يحيى الذي تم ازالة الشمعدان بجانبه على أنها (بدعة) يظهر كيف يمكن للتدخلات العمرانية والثقافية أن تتحوّل إلى أدوات لإعادة تعريف المقدّس وتغييب ذاكرة المكان. 

‏خامساً: محو المناسبات والبطولات الوطنية. أيام مثل ذكرى حرب تشرين التحريرية وبانوراما الحرب التي تحوي آثارها وشاهدة على تلك المناسبة و ذكرى عيد الشهداء تُغيَّبب تُعاد صياغتها، حتى صار الشهداء في السرديات المتغيّرة «جواسيساً»، ورموز الثورة السورية الكبرى تُستبدَل بشخصيات وهمية في محاولات تزوير التاريخ وتفكيك الروابط الوطنية.

‏النتيجة: تحويل الوطن من فضاء سيادي متعدّد الألوان إلى كيان طائفي أحادي اللون؛ من دولة مؤسسات وحماية إلى فضاء بلا هوية وبلا انتماء وبلا رموز حيث يعلو صوت القتل والخطف وتتحول الدولة إلى منظومة مؤدلجة تدار عبر مساجد أو أجنحة سلطوية دينية؛ ومن مواطنٍ أنيق ومتحضّر إلى «وحشٍ» جاء من الكهوف . كل هذا برعاية وتمكين إقليمي، حيث تُوظف سياسات تركية وإيديولوجيات السلفية الجهادية السياسية ومن يقف خلفها كآليات لإعادة تشكيل سوريا وفق محاور جيوسياسية جديدة. 

‏المواجهة لا تكون بالصراخ وحده، بل بالتوثيق والاسترداد استعادة الأسماء، إعادة رسم خرائط الحقّ، حماية الآثار، استعادة مؤسسات الثقافة والتعليم، وتوثيق شهادات الشهود — لأن المقاومة الحقيقية تبدأ بذاكرة صادقة. من ينسى يُمحى، ومن يُمحى يفقد حقه في أن يُعاد وطنه إليه.

المصدر: موقع اضاءات الإخباري