لم يعد السؤال حول أخلاق الذكاء الاصطناعي مجرّد خيال علمي، بل أصبح اليوم محور نقاشات فلسفية وعلمية جادة.
فمع توسّع دور الخوارزميات في اتخاذ القرارات — من المستشفيات إلى ساحات المعارك — يزداد القلق بشأن ما إذا كانت هذه الأنظمة قادرة على التمييز بين الصواب والخطأ أو الالتزام بالقيم التي تحكم سلوك البشر.
الفلاسفة: الذكاء الاصطناعي ليس كائنا أخلاقيا
يؤكد الدكتور مارتن بيترسون، أستاذ الفلسفة في جامعة تكساس A&M، أن الذكاء الاصطناعي، مهما بلغ من تطور، لا يمتلك وعيا أخلاقيا بالمعنى الإنساني.
فهو قد يقلّد قرارات الإنسان أو يقدم توصيات مشابهة، لكنه لا يدرك دوافعها الأخلاقية ولا يتحمل مسؤولية نتائجها.
يقول بيترسون: "الذكاء الاصطناعي يمكنه اتخاذ القرار نفسه الذي يتخذه الإنسان، لكن الدافع والنية مختلفان تماما".
أداة بلا وعي لكنها تحتاج إلى قيم
يرى بيترسون أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يُعامل كأداة برمجية خاضعة للقيم الإنسانية مثل العدالة، الأمان، والشفافية.
لكن التحدي الحقيقي يكمن في تعريف هذه المفاهيم بوضوح.
فحتى مصطلحات مثل "التحيّز" أو "العدالة" غير متفق عليها دائما، مما يجعل ضبط الأنظمة وفقها أمرا بالغ الصعوبة.
ولتجاوز هذه المعضلة، يعمل الباحث على تطوير خريطة تقييم أخلاقية — نظام يسمح بقياس مدى التزام أي نموذج ذكاء اصطناعي بالقيم المعلنة أثناء استخدامه في ميادين حساسة كالرعاية الصحية أو الأمن.
بين الأمل والمخاطر
رغم التحفّظات، يرى بيترسون أن الذكاء الاصطناعي يحمل إمكانات هائلة لتحسين حياة البشر.
ففي الطب، يمكنه رفع كفاءة التشخيص وتخصيص العلاج لكل مريض.
لكن في المقابل، يحذّر من استخدامه في المجالات العسكرية، حيث قد تتحول الطائرات المسيّرة ذات الذكاء الاصطناعي إلى آلات قتل ذاتية القرار، قادرة على حسم نتائج الحروب المستقبلية دون رقابة بشرية مباشرة.
كما ينبّه الفيلسوف إلى خطورة الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في التعليم والصحة النفسية، إذ قد يؤدي فقدان العنصر الإنساني في هذه المجالات إلى تدهور في العلاقات والقيم المجتمعية.
الذكاء الاصطناعي مرآة لقيمنا
الذكاء الاصطناعي ليس خيرا ولا شرا بذاته — إنه انعكاس مباشر للقيم التي نبرمجه بها.
وما لم يُبنَ على مبادئ واضحة من العدالة والأمان والشفافية، فقد يتحول من أداة تقدم إلى خطر يهدد جوهر الإنسانية نفسها.
كما يقول بيترسون:
"المسألة ليست ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يكون أخلاقيا، بل ما إذا كنا نحن قادرين على جعله كذلك."