كشف فريق من الباحثين في معهد سكولتيك للعلوم والتقنية (Skoltech) وجامعة ITMO الروسية عن تقدم علمي كبير في فهم سلوك الفقاعات الدقيقة تحت تأثير الموجات فوق الصوتية ، مما يفتح الباب أمام تطوير تقنيات العلاج الدقيق غير الجراحي للأورام وتوصيل الأدوية داخل الجسم بفاعلية غير مسبوقة.
آلية عمل الفقاعات الدقيقة
تُستخدم الفقاعات الدقيقة بالفعل في التشخيص الطبي، خصوصا لتحسين وضوح صور الأوعية الدموية في أجهزة الموجات فوق الصوتية.
لكن، كما يوضح الباحثون، فإن إمكاناتها العلاجية ظلت محدودة بسبب قلة المعرفة بسلوكها الفيزيائي والكيميائي الكامل.
الدراسة الجديدة ركّزت على فهم آلية نشوء الفقاعة، واهتزازها، وانفجارها داخل الحقول الصوتية، وتحديد العوامل التي تتحكم في قوة انكماشها وتأثيرها داخل الأنسجة.
الفقاعات الدقيقة المحسّنة
أجرت الباحثة تاتيانا يستيفييفا، من مركز الفوتونيات في سكولتيك، سلسلة من التجارب على فقاعات دقيقة محاطة بطبقة بروتينية مدعّمة بمُضافات خاصة تعزز من استقرارها.
وأظهرت النتائج أن هذه الإضافات تجعل الفقاعات أكثر ثباتا وتنبؤا في سلوكها، حيث تحافظ الطبقة البروتينية على بنيتها الطبيعية تحت تأثير الموجات فوق الصوتية دون أن تتحلل.
وهذا يعني أن هذه الفقاعات يمكن استخدامها داخل الجسم بأمان أكبر، مع تقليل احتمالية حدوث تفاعلات غير مرغوبة.
أدوات دقيقة لمراقبة الفقاعات
لرصد دورة حياة الفقاعات الدقيقة بالكامل، استخدم العلماء كاميرات عالية السرعة إلى جانب أجهزة كافيتومتر التي تسجل التغيرات في الموجات الصوتية داخل المحاليل.
وأوضحت الباحثة غالينا كالينيتشينكو، المشاركة في الدراسة، أن المُضافات الكيميائية غيرت طبيعة عملية الكافيتا (أي نبض الفقاعات وانهيارها):
فقد انخفضت شدة الاهتزازات بنسبة 50٪ تقريبا، مما حوّل الظاهرة من فوضى صوتية إلى نبضات ناعمة ومنضبطة، وهو ما يشكّل خطوة حاسمة نحو علاج آمن ودقيق بالموجات فوق الصوتية.
كما أثبتت التجارب أن الفقاعات الدقيقة الجديدة لا تؤثر سلبا على خلايا الدم الحمراء ولا تغيّر من شكلها أو حركتها، مما يدل على توافقها الحيوي الممتاز.
نحو جيل جديد من العلاجات الصوتية
تفتح هذه النتائج الطريق أمام تطبيقات طبية ثورية، أبرزها:
العلاج الصوتي الديناميكي (Sonodynamic Therapy):
حيث تُستخدم الفقاعات الدقيقة لتفعيل الأدوية المضادة للسرطان مباشرة داخل الورم بدقة متناهية، دون الإضرار بالأنسجة السليمة.
توصيل الأدوية إلى الدماغ:
بفضل قدرتها على تجاوز الحاجز الدموي الدماغي، يمكن لهذه الفقاعات إيصال العقاقير إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها بالأدوية التقليدية.
وبعكس الطرق الحالية التي تعتمد على موجات فوق صوتية عالية الكثافة وقد تسبب آثارا جانبية، فإن التقنية الروسية الجديدة توفر تحكما ناعما وآمنا في التفاعل الصوتي داخل الجسم.
مستقبل الطب بدون مشرط
يمثل هذا الاكتشاف خطوة مهمة نحو الطب غير الجراحي الذكي، الذي يعتمد على التحكم الدقيق بالموجات الصوتية داخل الجسم لعلاج الأمراض المعقدة مثل السرطان.
ويُتوقع أن تسهم هذه الأبحاث في تطوير أجهزة طبية قادرة على العلاج والاستهداف الخلوي بدقة نانوية، مما يجعل العمليات الجراحية التقليدية أقل ضرورة في المستقبل.