أظهرت دراسة حديثة أن الدماغ البشري يتمتع بمرونة مذهلة تفوق توقعات العلماء.
فحتى في الحالات التي يحدث فيها تمزق شبه كامل للجسم الثفني – وهو الجسر العصبي الذي يربط بين نصفي الدماغ – فإن التواصل بين الجهتين لا ينقطع تماما.
ويكفي بقاء عدد محدود من الألياف العصبية ليحافظ الدماغ على تناغم عمله وتناسق إشاراته بحسب ماجاء على موقع Наука Mail.
ما هو الجسم الثفني ولماذا هو مهم؟
يُعد الجسم الثفني (Corpus Callosum) أكبر حزمة من الألياف العصبية في الدماغ، إذ يشكّل الجسر الرئيسي الذي تمر عبره ملايين الإشارات بين نصفي الكرة المخية الأيسر والأيمن.
ولعقود طويلة، اعتقد العلماء أنه في حال تلف هذا الجسر، ينقسم الدماغ إلى نظامين منفصلين، مما يؤدي إلى اضطرابات في الحركة، والنطق، والإدراك البصري.
لكن نتائج البحث الجديد قلبت هذه الفرضية رأسا على عقب.
الألياف القليلة تُبقي العقل متكاملاً
أجرى فريق من الباحثين من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، والعيادة الجامعية في كولونيا، ومركز بيتيل لعلاج الصرع (Bethel Epilepsy Center) تجارب دقيقة على مرضى يعانون من تلف جزئي أو كامل في الجسم الثفني.
وباستخدام تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، تتبّع العلماء التزامن العصبي بين نصفي الدماغ.
وجاءت النتيجة مدهشة: إذا تبقى سنتيمتر واحد فقط من الألياف العصبية بين الجانبين، فإن تبادل المعلومات يستمر تقريبًا دون خلل يُذكر.
الدماغ شبكة تعيد بناء نفسها
أظهرت الدراسة أن الدماغ قادر على إعادة توصيل نفسه بسرعة مذهلة عند فقدان جزء من اتصالاته.
فحتى عدد ضئيل من الألياف العصبية يمكن أن يعوّض عن فقدان الممرات الرئيسية، ليعيد تشكيل المسارات العصبية ويحافظ على التناغم بين الإدراك والفعل.
هذا الاكتشاف يؤكد أن الدماغ ليس مجرد جهاز كهربائي ساكن، بل شبكة ديناميكية قادرة على التكيف والتعافي باستمرار.
مرونة مذهلة تفتح آفاق الطب العصبي
تُظهر هذه النتائج أن الدماغ يمتلك قدرة فريدة على التكيف والتعويض الذاتي، وهو ما قد يغيّر مستقبلاً طرق علاج إصابات الدماغ، والسكتات الدماغية، واضطرابات الاتصال العصبي.
ويرى الباحثون أن فهم آليات هذه المرونة قد يفتح الباب أمام تطوير علاجات تعيد بناء الاتصالات العصبية بعد الحوادث أو الجراحات المعقدة.
حتى بعد أن يوشك الاتصال بين نصفي الدماغ على الانقطاع، يظل العقل البشري قادرا على العمل بتناغم مدهش.
إنه مثال حي على مرونة الجهاز العصبي البشري، وقدرته على التكيّف مع أقصى الظروف من أجل البقاء والوظيفة.