تصدي أم تفاوض؟‎
مقالات
تصدي أم تفاوض؟‎
حسن علي طه
4 تشرين الثاني 2025 , 19:42 م

بقلم: حسن علي طه

لم يكن خافيًا أن قرار ساكن قصر بعبدا بالتصدّي لأي توغل إسرائيلي ليس سوى واجهة إعلامية لتمرير سمّ التفاوض في عسل شعارات التصدي . فالمشهد بدا منذ اللحظة الأولى محكومًا بقاعدة قديمة: حين تعجز السلطة عن الفعل، تتقن صناعة الوهم.

ردود “السياديين” على القرار كشفت المستور؛ أولئك الذين يرفعون شعار نزع السلاح وحصره بيد الدولة، عادوا فجأة ليصفوا قرار التصدي بأنه مغامرة انتحارية للجيش. كيف لمن يطالب بتعزيز الجيش أن يهاجمه حين يُطلب منه الدفاع؟! التناقض فاضح، والنية أوضح: لا يريدون جيشًا قويًا ولا مقاومةً فاعلة، بل يريدون بلدًا منزوع الإرادة، يُقدَّم خالصًا للمشروع الإسرائيلي على طبق من عار العمالة السياسية.

وقبل أن تُرفع الأوامر الفعلية بتنفيذ قرار التصدي، خرج من كان قائد الجيش جوزاف عون ليقول بوضوح: "لا خيار لنا إلا التفاوض". وكأنّ التصدي لم يكن سوى عنوانٍ مؤقت لمرحلةٍ يُراد فيها فتح باب الاستسلام بمفتاح الدبلوماسية. نسي الجنرال أن التفاوض ليس خيار الشجعان حين يكون مطلب العدو، بل هو انحناء مهين يُلبس ثوب الواقعية ليخفي عجز الموقف.

ظنّ البعض أن الرئيس عون قد تجرأ على الخروج من العباءة الأمريكية التي أوصلته إلى الرئاسة، غير أن الأيام القليلة التالية كشفت الوهم. فبين نهاية أسبوعٍ وبداية آخر، بان السبب وسقط القناع: لم يكن التصدي سوى ذرّ رمادٍ في العيون، تمهيدًا للتفاوض المباشر الذي يطرحه العدو ويقبله بعض أركان الدولة، تصريحًا أو تلميحًا.

إن لبنان اليوم أمام مفترق خطير: إمّا أن يتمسّك بخيار الكرامة والمواجهة، أو يختار طريق التبرير والتنازل باسم “الحكمة”. لكن من يتنازل اليوم تحت شعار التفاوض، لن يجد غدًا ما يتفاوض عليه.

وعلى الدنيا بعدها السلام