أظهر بحث علمي جديد أن قناديل البحر وشقائق النعمان (الكنيداريات) رغم عدم امتلاكها دماغاً، يمكنها تعلّم العلاقات بين الإشارات الحسية واتخاذ قرارات بناءً على تجاربها السابقة.
الدراسة، المنشورة عبر موقع Наука Mail، تكشف أن هذه الكائنات القديمة تمتلك قدرات إدراكية مدهشة رغم غياب أي مركز عصبي واحد كالدماغ.
كيف تفكر الكائنات من دون دماغ؟
معظم الحيوانات، باستثناء الإسفنجيات وبعض الكائنات الدقيقة، تمتلك خلايا عصبية، لكن لدى القناديل وشقائق النعمان، تتوزع هذه الخلايا في شكل شبكة عصبية منتشرة تغطي الجسم واللوامس، مما يسمح لها بمعالجة المعلومات دون الحاجة إلى دماغ مركزي.
هذه الشبكة قادرة على تنسيق الحركة، وتوجيه السلوك، والاستجابة للمنبهات بطريقة تتجاوز ردود الفعل الآلية.
تجربة تكشف "ذاكرة" شقائق النعمان
في تجربة مختبرية، تمكّن العلماء من تعليم شقائق النعمان Nematostella vectensis ربط وميض الضوء بصدمة كهربائية خفيفة.
وبعد فترة قصيرة، أصبحت تتراجع عند رؤية الضوء وحده أي إنها "تتوقع" حدوث الصدمة، ما يدل على وجود ذاكرة شرطية بسيطة.
كما بيّنت تجارب أخرى أن هذه الكائنات قادرة على تمييز جيرانها المتشابهين وراثياً والتوقف عن مهاجمتهم، ما يشير إلى تمييز اجتماعي بدائي يتجاوز الغرائز التلقائية.
قناديل البحر تتعلم تجنب العقبات
أما قناديل البحر المكعبة (كوبوميدوزا) فقد أظهرت قدرة على الربط بين الإشارات البصرية والشعورية.
فهي تتعلم تجنّب العقبات بعد تعرضها لصدمات خفيفة عند الاصطدام، مما يدل على قدرتها على التعلم من التجربة وتخزين المعلومات في شبكتها العصبية الموزعة.
الإدراك دون دماغ: معجزة تطورية عمرها 700 مليون سنة
تُعد الكنيداريات — التي تشمل القناديل وشقائق النعمان — من أقدم المجموعات الحيوانية على الأرض، إذ ظهرت قبل أكثر من 700 مليون عام.
وبالرغم من غياب الدماغ، فهي ما تزال مزدهرة حتى اليوم، بينما انقرضت أنواع أكثر تطوراً منها.
هذا النجاح التطوري يعكس قدرتها الفريدة على التكيف والإدراك بآليات مختلفة عن تلك التي نعرفها في الحيوانات ذات الأدمغة.
هل يعني ذلك أنها تفكر؟
يؤكد العلماء أن مصطلح "التفكير" بالمعنى البشري لا ينطبق حرفياً، لكن هذه الكائنات تُظهر ما يُعرف بـ "الإدراك الحيوي" أي استخدام المعلومات لاتخاذ قرارات تتجاوز الاستجابة التلقائية.
بمعنى آخر، حتى الكائنات التي بلا دماغ تُظهر شكلاً بدائياً من الذكاء الطبيعي، مما يعيد تعريف مفهوم "الوعي" في عالم الأحياء.