كتب الدكتور علي حجازي:
ثقافة
كتب الدكتور علي حجازي: "تشييع غريب!", " قصّة قصيرة "
د. علي حجازي
11 تشرين الثاني 2025 , 22:04 م

بعدما أضاع ميزان العدل ، واتزان العقل، وتجلبب بلباس الشيطان، الكبير والصغير، كشف ظهرها، وأرسل في الفضائيّات الخطب، ودفع ألسنة الأبالسة من كتبةٍ وإعلاميّين، وخبراء إستراطيزيين تلوك سمعتها، وتشوّه سيرتها، وانتصارات أبنائها الشرفاء الذين حرسوا الوطن وذادوا عن حماه، وانتزعوه من براثن الذئاب.

زاغ بصره فعمي عن الحقيقة.

أمام مشهد ارتقاء الشهداء.

تلمّس جلده. شبيهَ جلدِ التماسيح كان.

بعينيه الاثنتين رأى الأطفال يحترقون. تلتهم النيران أجسادهم الطريّة ، وأرواحهم النديّة داخل سيارة أبيهم الذي سبقهم يشكو إلى الله فعل اللقطاء، هو يبصر ارتقاء الأبطال اغتيالاً فلا تهتزّ له قصبة، ولم يرمش له جفن بل راح يقهقه مثل قرد.

هو يصادر الحطب في حولا، ويسطّر محاضر الضبط في حقّ الشرفاء المصممين على إعادة إعمار ما هدّمته البربرية ّ في شقراء وعيثرون، في ميس ومارون، في عيتا وكفر كلا في مركبا والعديسة والخيام ، وآخر إبداعاته إرساله قوات تمنع ترميم بئر مياه في وادي السلوقي يروي ظمأ اهل مجل سلم، وعطش أشجارهم والأزهار.

كلمتان يردّدهما على الدوام:

حصر ونزع. حصر ونزع. حصر و...

لم يشعر بوخز ولا تأنيب...

عاينوه . بدقّة عالية راقبوه.

" أضاع الأحاسيس.

لا حسّ ولا أنيس.

خلع عنه رداء البشر.

شيء في داخله مات وانتحر" (من تقرير أديب نحرير)

صمت شديد يعمّ المكان.

" لن يصحو بعد الآن . ما كان يصنّفه في البشر مات .من زماااان تبخّر واندثر.

شيّعوه الآن. قبل أن يصبح أمثولة لحكام هذا الزمان.

هيّا . عجّلوا قبل فوات الأوان" ( قالها طبيب نفساني )

" يا ويلتاه! من يصّدق أنّ هذا المتحوّل كان يوماً عن الحقِّ مقاتل، والآن هو متنكب ظهر الباطل؟" قال قريب وأعلن في الناس موعد التشييع مسبوقاً بتقبّل التعازي.

في مقدمة المستقبلين وقف. هو هو. بلحمه وشحمه.

وجهه جلدة ممصوصة. كثيب رمل. صحراء قاحلة .

عيناه عالقتان في جمجمة. تلصّان لا دمع ولا بريق.

الناس حيارى. تأخذهم الدهشة .

وسَّعوا الحدقات ، وعلت الأسئلة بكلمات:

"إذا كان هو موجوداً هنا، فمن الذي مات ؟"

صاح رجل حكيم . جلجل صوته في الأرجاء:

" حدّقوا الآن في عينيه. زجاجتان هما.

تملّوا من رؤية جسده .إنّه الآن خشبة بل حجر .

يا طبيب القلب قل: كيف يقف من لا نبض في قلبه؟ ولا شهيق في رئتيه، ولا زفير يطرد الباطل وشياطينه من روحه.

تمساح . والله إنّه تمساح. بالأمس عرك عينيه حزناً مفتعلاً على ضحايا سقطوا من زمان ، والآن الآن تشتعل نيران شهوات أبناء الأفاعي الساعين إلى سفك دم الأبرياء، وقطف أرواحهم، ولا يعلو له صوت،

هو ميت ميت.

-- من الذي مات؟ قلها علانية يا هذا(علا صوت)

--ضميره الذي مات. أجل. ضميره غادره معلنا :

هذا ليس من صنف البشر"

-- احسنت وأجدت يا حكيم. إنّ أصعب الموت فقد الضمير، فالشخص عندها وحشاً يصير ، وإلى جهنم وبئس المصير هو يؤول ، وتاريخه يزول ، وعليهما كلاب الحي تبول...

بيروت في 7/11/2025