بكتيريا تحارب السرطان ثم تدمير نفسها ذاتيا
منوعات
بكتيريا تحارب السرطان ثم تدمير نفسها ذاتيا
13 تشرين الثاني 2025 , 13:16 م

يشهد الطب الحديث ثورة جديدة تتمثل في استخدام البكتيريا كـ"أدوية حية" قادرة على قتل الخلايا السرطانية من الداخل. فبينما لا يزال العالم بعيداً عن "علاج نهائي" للسرطان، قد نصل يوماً ما إلى مرحلة تصبح فيها البكتيريا المبرمجة وسيلة دقيقة للعثور على الأورام، وتحرير العلاج في موقع الإصابة فقط، ثم الاختفاء دون أن تترك أي أثر.

العلاجات الحالية لا تزال محدودة

تُعدّ بعض الأورام صعبة العلاج، إذ قد لا تتمكن الأدوية من اختراقها بفعالية، كما أن بعض الأورام تمتلك القدرة على مقاومة الجهاز المناعي أو تطوير مقاومة للعلاجات. لكن استخدام البكتيريا قد يشكل وسيلة لتجاوز هذه العقبات بفضل قدرتها الطبيعية على التفاعل مع بيئة الورم.

أصل الفكرة: ملاحظات قديمة واكتشافات جديدة

منذ أكثر من قرن، لاحظ الأطباء أن بعض مرضى السرطان الذين أصيبوا بعدوى بكتيرية غير متوقعة أظهروا تحسناً ملحوظاً أو حتى تراجعاً في أعراض السرطان، اليوم بدأ العلماء يفهمون السبب: إذ يمكن للبكتيريا تنشيط جهاز المناعة لمهاجمة الخلايا السرطانية.

أحد الأمثلة الناجحة هو استخدام نسخة مُضعفة من بكتيريا Mycobacterium bovis لعلاج بعض حالات سرطان المثانة، حيث يتم إدخالها عبر القسطرة لتحفيز جهاز المناعة على تدمير الورم

لماذا البكتيريا؟

تتميز بعض أنواع البكتيريا بقدرتها الطبيعية على التوجه إلى الأورام الصلبة دون الإضرار بالأنسجة السليمة. فهذه الأورام تحتوي على بيئة مثالية لنمو البكتيريا: غنية بالمواد الغذائية، منخفضة الأوكسجين، وضعيفة المناعة، مما يجعلها "مأوى مثالياً" لتلك الكائنات.

هذا ما جعل الباحثين ينظرون إلى البكتيريا كـ"ناقلات علاجية" قادرة على حمل أدوية أو لقاحات مضادة للسرطان مباشرة إلى موقع الورم.

اللقاحات البكتيرية ضد السرطان

يمكن للبكتيريا المعدّلة وراثياً أن تعمل كـ"ناقلات" للقاحات السرطانية. فبمجرد إزالة الجينات الممرضة منها واستبدالها بجينات تُحفّز جهاز المناعة على التعرف على الخلايا السرطانية، تصبح هذه البكتيريا أداة دقيقة للتطعيم المناعي.

ومن أبرز الأنواع المستخدمة في التجارب Listeria monocytogenes، إلا أن معظم الدراسات لم تُظهر تفوقاً واضحاً على العلاجات الحالية، بسبب صعوبة إيجاد توازن بين التحفيز المناعي القوي والسلامة الجسدية للمريض.

تعزيز العلاجات الحالية

تُظهر العديد من التجارب أن الجمع بين البكتيريا والعلاج الكيميائي أو المناعي يمكن أن يعزز فعالية هذه العلاجات. فعلى سبيل المثال، تم استخدام Listeria المعدلة لعلاج سرطان عنق الرحم المتكرر، وSalmonella المعدلة لزيادة معدلات البقاء في حالات سرطان البنكرياس المتقدم.

البكتيريا كأدوية

الخطوة التالية هي تسليح البكتيريا بالأدوية بحيث تهاجم الورم من الداخل. يمكن للعلماء برمجة البكتيريا للاستجابة للإشارات الجزيئية داخل الورم، وتدمير نفسها بعد انتهاء مهمتها، أو إفراز مواد تُنشّط جهاز المناعة.

كما يجري تطوير سلالات متعددة الوظائف قادرة على دمج أكثر من آلية علاجية في وقت واحد، باستخدام أنواع مأمونة مثل Lactobacillus وBifidobacterium وE. coli Nissle.

التحديات والآفاق المستقبلية

على الرغم من أن التجارب البشرية الأولية أظهرت أن هذه التقنيات آمنة نسبياً، فإن ضبط الجرعات وتجنّب الطفرات غير المتوقعة في البكتيريا لا يزال يمثل تحدياً، لذلك يعمل الباحثون على تطوير أنظمة "احتواء بيولوجي" تمنع انتشار البكتيريا خارج الورم أو تُجبرها على التدمير الذاتي بعد انتهاء العلاج.

إذا نجحت هذه الجهود، فقد يشهد العالم تحولاً جذرياً في علاج السرطان، من الأدوية الكيميائية الثابتة إلى أنظمة حية متكيفة مع جسم الإنسان.

المصدر: The Conversation