عبد الحميد كناكري خوجة: ولاتتبعوا خطوات الشيطان.
مقالات
عبد الحميد كناكري خوجة: ولاتتبعوا خطوات الشيطان.
عبد الحميد كناكري خوجة|كاتب من سورية
14 تشرين الثاني 2025 , 12:56 م


” ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان"

”ولاتتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطواته فإنه يأمر بالفحشاء".

(صرخة ضمير في زمن التواطؤ)

”في زمن تماهت فيه الحدود بين الحق والبهتان، وغاب فيه وميض البصيرة تحت ركام البروباغندا، تتجلى الحاجة إلى خطاب يعيد للضمير رنينه، وللأمة ميثاقها، خطاب يفكك سرديات الخضوع، ويعيد تشكيل الوعي على نسق مقاوم، يقرا العالم بعيون الحقيقة لا بمناظير الهيمنة."

ألم أعهد إليكم يابني آدم...فتأملوا معي هذا العهد الإلهي كمرآة لا لبس فيها، تعطي حال أمم ربت على الطاعة، وهرولت أمم أخرى خلف ألوان من عبودية الهيمنة، وعبودية الكبرياء الإمبريالي.

هنا تقف الحقيقة وتقول بصراحة صارخة: إنما العبادة منظومة امتثال، وإن تبدلت أطوادها وأسماء آلهتها، فإن القلب يبقى عرين الإختبار.

مقالي هذا عبارة عن نقد بلاغي فلسفي لحالة الإستسلام التي ترى في المصافحة مع طاغوت معاصر_ سياسات واستراتيجيات تغلف بالدبلوماسية ولكنها مربوطة بسلاسل من الفظائع والجرائم التاريخية_ تبين كيف يباع الستر باسم العفة، وتتداول التجارات باسم الإنسانية، بينما أشلاء النساء والأطفال تسجل شهادة لا تمحى. فلنقرأ التاريخ بعين ابستمولوجية لاتنخدع بالمظاهر: من إخراج شعوب من أرضها إلى نزف طويل كقطاع العز والنخوة والعزة ودماء طاهرة في جنوب عاصمة الأرز وأخرى ذكية في اليمن وإيران وسورية والعراق وغيرها من دول قالت ”لا" للهيمنة والتوسع والإحتلال. هل أتاكم حديث من تآمر على السودان الشقيق ومن احتل القنيطرة والجولان وجبل الشيخ، إحتلال يطمس الذاكرة.

القرآن العظيم يقول: (ولاتتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطواته فإنه يأمر بالفحشاء). فهل تواكب السياسات بفتوى أخلاقية تجرم الإنبطاح والتطبيع مع من يدعم الجرائم. أم تظل التحالفات مقننة بتواقيع تجارية تغطي على المآسي؟

الفكر الاستعماري ترك لنا دروسا قاسية في الجينالوجيا السياسية: الإستحواذ يبدا بالثقافة ثم يمر إلى الإقتصاد فالقوة العسكرية.

كما لاحظ مفكرون كبار أن الهيمنة لاتحتاج دائما إلى احتلال كامل، بل يكفي أن تصهر الإرادات بالعروض والمشاريع. ”فرانس فانون" ذكر أن التحرر يمر عبر وعي جماعي يعيد بناء الذات من تحت رماد الإستلاب.

إن نقدي لايصدر من ضوضاء عاطفية فحسب، بل من راديكالية أخلاقية تطالب بالقراءة النحوية للضمير:

كيف تركع الأيادي لتصافح من لم يصفح عن أرواح سحقتها سياساته؟ كيف تغفل الشعارات الدينية عن دماء أزهرت على أبواب الخيام؟ إن الإجابة هي امتحان أمة أمام ضميرها.

نداء أخير: لنجعل خطابنا ميتافيزيقيا ومعرفيا؛ لانكتفي بالإدانة الصوتية بل نبني إستراتيجية أخلاقية، ثقافية, واجتماعية لقطع طريق الخنوع. لانصوغ كراهية ضد أفراد، بل ننقب عن الحقيقة، نفضح السياسة ونبني بدائل إنسانية. كما قال أحد رموز الفكر الحر: على كل جيل أن يكتشف رسالته ويعمل بها حتى يولد التاريخ من جديد_هكذا تنتصر الكرامة.

وقبل أن تنتهي حريتي مع السادة القراء في مقالي هذا وبكلمة ختامية: لاتستقيم الأمة حين تتآمر نخبتها على دمائها. لاتباع القيم عند أول طعم من المسير. ولنعلم أن العهد الإلهي يستدعي منا وقفة... لامخافة: ”ألا تعبدوا الشيطان"_ فلتكن مقامتنا روحا وفكرا، ولتكن مقاومتنا للظلم صدى يوقظ الضمائر ويعيد للإنسانية وجهها.

مفكر كاتب حر، إعلامي سابق في الغربة.