في زمن تتقاطع فيه شعاب الفوضى مع شعارات التدين، وتتجاوز فيه ملاحم التضليل مع لافتات ”القداسة" يصبح الوعي فرضا، ويغدو البيان واجبا، وتتحول الكلمة إلى سيف مشرع في وجه من باعوا الدين في مزادات الفوضى. نحن في حقبة تتلاقى فيها السيميولوجيا مع الجيوسياسة، وتتماهى فيها الميتافيزيقيا مع التلاعب النفسي، وتتحرك على مسرحها جماعات تكفيرية ولدت من رحم مشاريع لا تمت إلى النور بصلة بل إلى ظلال كثيفة صنعت في دهاليز التلاعب والإخضاع.
وفي أزمنة الظلام السياسي، تتراءى حركات وقطعان من يرتدون قناع الإسلام، والإسلام الحنيف بريئ منهم إلى يوم الدين، هم أدوات للطاغوتين الأكبر والأصغر ولبعض حكومات الغرب المنافق يتسلقون جبال الخراب ويسبحون في بحار الفتنة متشبثين بمذهب باطل صنع لنا بمعونة الدوائر الإستعمارية، مذهب الرمل المتطرف بهدف تشويه الحقائق وترويع البراءة، بينما الضمير الإنساني الصامد يصرخ داعيا لليقظة والحذر وكشف ستر المخادعين وأقنعة النفاق. هؤلاء ليسوا أبناء الإسلام العظيم، بل أبناء أجندات مشبوهة، تمولها خزائن يعلو فوقها غبار الريع، وتباركها غرف عمليات غربية اعتادت هندسة الفوضى ثم نسبها إلى السماء. إنهم تجار الموت الممولين من الذين ذمهم الله في كتابه العظيم ووصفهم بالأشد كفرا ونفاقا.
( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا).
فأي إحسان في الترويع؟ وأي إيمان في نحر الابرياء؟ إن مايسمونه جهادا ليس إلا تقنية تخريبية و برمجة مدفوعة الثمن، وتحويرا لنصوص الدين كي تصبح ذخيرة في يد من يريد توسيع نفوذه لا نصرة الحق. مشروع هدفه ضرب الدول التي صمدت، وقاومت الهيمنة، لا تلك التي إرتمت في أحضانها. ولهذا نراهم في ليبيا، اليمن، العراق، الصومال، وبلد الأبجدية والتاريخ. يتنقلون كقطعان الظلام، يحرقون الأوطان، يدمرون العمران، ويسقطون الدول قطعة بعد قطعة، بينما يتجنبون بدهشة مريبة_ توجيه قذيفة أو صاروخ واحد نحو العدو الحقيقي الذي يدنس المقدسات الإسلامية، ويحتل ويقتل ويشرد ويذبح ويستولي وينهب...
إنها مفارقة لاتخطئها عين:
خناجرهم وحرابهم على رقبة الصامدين...
وسكوتهم على المحتلين الغاصبين.
شتائمهم على دول الممانعة والصمود والمقاومة...
وصمتهم على قتلة النساء والأطفال.
هؤلاء_ الذين يتشدقون بالغيرة الدينية_
لم يكن الدين يوما بوصلتهم بل غطاءهم، لم تكن النصوص هديهم، بل ذخيرتهم. لم تكن فلسطين السليبة قبلتهم، وبالمقابل، تقف دول لم تتلوث بمال الفتنة. ولم تنحني أمام الإملاءات، ولم تبع في مزاد السياسة.
دول مسلمة حملت الحق على الرغم أنها غير عربية، نعم حملت الحق لا كشعار، بل كموقف، وفي مقدمتها بلد الحضارة والتمدن والتاريخ والعلم والعلماء والوقفات السديدة شعبا وجيشا وحكومة رشيدة، وتحملت الحصار والتكالب وحملات التضليل الإعلامي وأبواقه المأجورة، بلد مدافع عن حرمة المسلمين المطهدين وعن عظمة القرآن الكريم، ولانتناسى أيضا دور باكستان المشرفة بشعبها الشقيق وحكومتها العادلة. هاتان البلدان الشقيقان أثبتتا أن السيادة ليست ورقة بل عقيدة. وأن الوقوف بجانب المظلوم ليس خيارا، بل شرفا و أن قضية بيت المقدس ليست ملصقا على الجدار، بل جرحا في القلب ورمزا للوجود. وبوحدة وتآخي البلدين العظيمين المتجاورين وسدادة مواقفهما شكلتا جدارا في وجه الموجة التكفيرية التي أراد لها صناع الفوضى أن تجتاح المنطقة وتلتهم كل ماتبقى من جغرافيا العقل.
لقد وقفا كلا البلدين ضد طوفان الطغيان، فاشتعلت ضدهما حملات التشويه. دعما الحق، فاشتعلت عليهما غرف الإعلام المأجور. أصرا على الاستقلال، فغضب أرباب الإستكبار. إن التحليل الفلسفي للحركات المتأسلمة يكشف أنها ليست ظاهرة دينية، بل منتج استعماري معولم، يقوم على ثلاث ركائز قاتلة: 1... جهل مقدس يباع على أنه ”فقه" وهو أبعد مايكون عن جوهر الفقه.
2... فتاوى مسمومة تلبس رداء النقاء بينما هي صناعة مخابرات الطاغوتين الأكبر والأصغر ودولة مستعمرة غربية. 3... تمويل ملوث يأتي من بعض أنظمة تعرف نفسها وإن لم أذكرها علانية فالقرآن الكريم ذكرها بالأشد نفاقا، تتقن الريع وتفشل في الوعي.
وبهذه الركائز تحول بوصلة الدين من تحرير الأرض إلى تخريبها، ومن مواجهة العدو إلى تدمير الذات.
لكن الإسلام الحقيقي أنقى من أن تدنسه هذه الفقاعات، وأعظم من أن تحجبه هذه القطعان المأجورة....
قال تعالى وهو خير القائلين: (وما أرسلناك إلا رحمة العالمين).
فأين الرحمة فيما يقترفون ؟ أين النور؟ أين العقل؟ دين جاء ليتمم مكارم الأخلاق، فحولوه مذبحة. رسالة نزلت لتقيم العدالة والإستقامة، فجعلوها منصة للنهب والسبي، شريعة أنارت الدنيا، فجعلوها درعا لظلامهم.
إن مواجهة الإرهاب لاتكون برصاص فقط، بل بمقارعة الفكر، وتفنيد الزيف، وتعرية أولئك الذين يتخذون من الدين جسرا إلى الخراب. هذه معركة وعي، معركة بصيرة، معركة تحرير الإسلام من منتحليه قبل تحرير الأرض من محتليها.
ساأداوم على أقول الحقيقة دون إسهاب أو إطناب. الإسلام دين رحمة...وهم نقمة. الإسلام نور. وهم ظلام. الإسلام استقامة...وهم خراب. وستبقى كلمتي الحرة مشعلا وضاءا، وسيبقى الوعي حصنا، وسأبقى أفضح هذا الفكر المتطرف المتآمر على المسلمين أنفسهم وعلى مقدساتهم. هذا الفكر الدموي المتطرف الحامي للمحتلين الغاصبين. نعم سأواضب على حمل مشعل الحق حتى يعود المنخدعين المخدرة عقولهم الى الرشد والصواب ويعوا ويدركوا دين الله الحقيقي الحضاري العظيم وكي يعود الإنسان إنسانا، وتعود أمتنا العظيمة الى رشدها. وتكسر عنها قيد الحديث الموضوع الضال والمضل وينكسر عنها قيد التخدير والخداع الذي صنع لها بمخابر حكومات الهيمنة والتوسع والإستكبار.
مفكر كاتب حر٫ لاأنتمي لأية جهة، محلل وإعلامي سابق في الغربة.