رؤيتي الفكرية في وحدة الصف...وقراءة مشفرة في خرائط الوعي الوطني
في زمن تتشابك فيه السيميولوجيا السياسية مع دهاليز الجيوبولتيكا، وتتناسل فيه السينوريوهات على مسرح تتداخل فيه البراديغمات المستوردة مع الإيديولوجيات المتقلبة، يصبح للكلمة الصادقة وزن السيف، وللوعي أثر السهم النافذ في خاصرة كل مشروع إبليسي يطمح إلى تفكيك مجتمعاتنا أو جرها إلى تراجيديا عبثية لاتحمد عقباها على الإطلاق.
ومن هنا أطلق رسالة مقالتي هذه؛ ”بحسن الأعمال... تقطف الآمال". حسن الأعمال أيها السادة بمعناه الجامع؛ أي وحدة وتراص الصفوف، صفح القلوب، تطهير الذمم من ضغائن الماضي، والالتفات إلى الغد بعقل يقرأ ويحلل ولا ينجر خلف نزعات ليبرالية مائعة أو بيروقراطية خانقة تعطل مسيرة الشعوب نحو النهوض.
لا اقصد هنا بحسن الأعمال بمعناه الفردي الضيق، بل بمعناه الوطني_ الإنساني الواسع: أن تتلاحم إراداتنا، وأن تطفأ نيران حزازاتنا وأتوجه هنا بالأخص إلى أبناء الشعب السوري العظيم بشتى مكوناته وملله ونحله محذرا هذا الشعب المتحضر من تآكل مساحات من أراضيه بتفشي سرطاني صهيوني... فالوحدة الوطنية أضحت ضرورة ملحة لإيقاف هذا الزحف الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من العاصمة دمشق. يجب على الجميع أن يتحدوا على جذوة الدفاع والكفاح والنضال الشرعي القانوني المحق لتطهير ترابهم من قذارة هذا المحتل الغاصب.
كفاح قائم على العلم والمعرفة والأخلاق، وعلى الأمن الفكري والسياسي، وعلى الوعي بما يحاك في العتمة من مخططات تستهدف موارد الأوطان وتفتيت النسيج الوطني، وجر الأجيال إلى متاهات الإنحلال أو الإستسلام أو الارتباك الحضاري وهذا مايخطط له اعداء الأمتين العربية والإسلامية وحتى أعداء أمتنا المسيحية الشقيقة. لقد كان لنا جميعا في نضال وكفاح شعب اشقاءنا في الجنوب اللبناني العظيم وشعب قطاع غزة الصمود والبسالة والشهامة والتضحية والعزة القدوة الحسنة..حيث دافعت كلتا المقاومتان العظيمتان اللبنانية والفلسطينية ليس فقط عن شرف الأشقاء اللبنانيين والفلسطينيين بل عن شرف الشعب السوري العظيم وعن شرف وكرامة الأمة بأجمعها..وهاهي الآن وبكل وقاحة تتكالب قوى الشر والهيمنة والسيطرة و الأطماع والعدوان على أشقاءنا في لبنان الأبي الشامخ وفي أرض الرياحين فلسطين.
وسأبقى من جهتي كاتب يمضي بلا تردد في تفكيك البنى وتمزيق الأقنعة وتشريح الخطابات، لا اتبنى دائما أسلوبا رتيبا أو أكاديميا جامدا، بل ألجأ إلى تحليل مباشر، نفاذ، يطرق ذاكرة القارئ بحكمة الكلمة، ومتانة الأسلوب، وأناقة البيان، وفصاحة اللسان وحسن العنوان، دون إسفاف أو تكرار أو افتعال أو إنفعال، أكتب بالرصاص الفكري، وأفكر بالحكمة، وأقف بثبات ضد الإنبطاح وضد كل نزعة طائفية عقائدية، ومع النضال الحر العادل القانوني الشريف، دون الوقوع في فخ التقديس أو في متاهة التخوين العام، وما بين سطوري، تتولد ناستالوجيا الأيام التي شهدت فيها الأمة وحدة العزم والمصير للتغلب على الهم والغم، حين كان الحوار جسرا، والتسامح قاعدة، والتآخي دون تراخي قيمة، والصفح شجاعة لا ضعفا، واليوم، في عصر تتلاطم فيه الأمواج الإعلامية، سرا وعلنية، وتتصارع فيه الشاشات والرموز، يصبح الوعي الجمعي ضرورة ملحة، خصيصا للإخوة السوريين واللبنانيين شعب التمدن والتحضر، ولجميع أبناء شعبنا العربي إسلامي ومسيحي، فالمخطط أخطر مما تتوقعون أيها الإخوة والأحباء، سيناريو، رسم بتوقيع مردة وشياطين الطاغوتين الأكبر والأصغر وبعض حكومات من يدور في فلكهم. بات الثبات على الخط الوطني فرض عين، والأمن الفكري حاجة خاصة أمام محاولات نهب الثروات والتحكم بالمقدرات، ومحاولة بعض القوى فرض استرتيجيات خارجية من شأنها تحويلنا إلى مجرد هوامش في دفتر الآخرين. لأن الوعي لايمنح، بل ينتزع، تأتي كلماتي هنا رشقا بلاغيا، تطلق كلماتها كأنها زخات رصاصات فكرية، تصيب قلب المحتل الغاصب وتخترق جمجمة كل مشروع ظلامي يستهدف الأمة. كتابة تهدف إلى سحر الوعي، لا إلى تخديره؛ إلى إرباك العدو الغاصب، لا إلى منحه ثغرة تسلل؛ إلى إبهاج الحليف الحر الشريف، لا إلى توريطه في صمت أو انتظار: ومن أجل كل ذلك أجد متعة روحية في استخدام تقنيات عالية، تتعانق فيها البلاغة مع السياسة، ويتجاوز فيها التكتيك مع الفلسفة، وتمتزج فيها الحكمة مع حمرة الحقيقة.
إن وحدة أمتنا اليوم ليست شعارا، بل تكتيك وجودي، واستراتيجيا خلاص، وحصن يحمي الموارد من كل شيطان أنسي مارد، ويصون أمن البلاد والعباد، ويحفظ حق الرضع والركع والرتع، وبفلسفة الحديث، عن الزراعة والصناعة والإنتاج والتصدير، فإن ذلك جزءا من المعركة الكبرى، فالأوطان التي تصنع قوتها هي الأوطان التي تصنع قرارها. ولنا في جمهورية إيران الإسلامية بعد بزوغ فجر إنتصار ثورتها المظفرة سنة 1979 القدوة الحسنة، وعلى الرغم من تكالب شياطين وأبالسة الأنس عليها، تحولت إلى دولة عظمى يحسب لها ألف حساب، وأبت أن تخضع لإملاءات الطامعين بنهب ثرواتها ، وما أحوج الأمة اليوم إلى إعادة بناء الإنسان قبل البنيان، وغرس ثقافة العلم والمعرفة والعمل الصالح مصداقا لقوله تعالى ( وقل إعلموا فسيرى الله عملكم). وفي هذا المسار، يصبح الحوار بين أبناء الوطن الواحد فرضا، والتسامح ضرورة، والمصارحة واجبة، لأن الفرقة باب كل شر، والوحدة جسر كل خير. ولايتحقق هذا إلا بوعي قادر على فهم الرسائل المشفرة في المشهد العالمي، وعلى قراءة جيوبولتيكا المنطقة بعيدا عن العواطف أو التجاوزات الصغيرة. الوعي الذي يجمع، لا الذي يفرق؛ الذي ينهض، لا الذي يخنع؛ الذي يصنع, لا الذي يتفرج على تراجيديا الإنحدار وسقوط الأوطان.
وهكذا يصبح ”حسن الأعمال" عنوانا لمشروع كامل: مشروع نهضة ووحدة ورؤية وبصيرة. ومن خلاله تقطف الآمال...آمال أمة إذا اتحدت صمدت، وإذا تفرقت ضاعت، وإذا تعانقت نهضت، وإذا تسامحت انتصرت. يشرفني أن تلتقي في مقالتي هذه السيميولوجيا مع الاستراتيجيا، ويصوغ فيها التحليل السياسي_ اللغوي جسرا بين الفكر والواقع، بين المعرفة والعمل، بين التكتيك والوعي لتهليك التفكيك، لتصبح الكلمة سهما فولاذيا حادا يخترق قلب المشاريع الإبليسية التكالبية على أمتنا، ونداءا للوعي الجمعي المتوثب، ومرآة تعكس صورة الأمة في أبهى صورها مستندة إلى الحكمة، متوكلة على الحق جل وعلى، متسلحة بالبلاغة، ومتدفقة كاجداول مياه نضال شرعي المحق.
ومهما طال الزمان أو قصر، فالمحتل المختل الغاصب إلى تلاش ورحيل. فسلاما ياشعب الجنوب اللبناني العظيم، وسلاما ياأبناء شعب الجبارين في فلسطين وسلاما على ملايين الوطنيين الأشراف من السوريين الذي يتأهبون لطرد المحتل الغاصب من جنوبهم وتطهير ترابه من نحس أقدام العدو المحتل الغاصب.
مفكر كاتب حر، فنان وطني وإعلامي سابق في الغربة.