تشير أحدث الأبحاث العلمية إلى أن الأبوة والأمومة لا تغيّر حياة الإنسان فحسب، بل تعيد تشكيل دماغه أيضاً، لتفعيل أنظمة عصبية خاصة تُعدّه لرعاية الطفل. ويحدث هذا التحوّل لدى كلا الوالدين، الأم والأب، ويشمل الروابط العصبية، وتنظيم المشاعر، والاستجابات الهرمونية بحسب ما نقله موقع Наука Mail .
الأبوة والأمومة إعادة بناء بيولوجية شاملة
توضح الأبحاث أنّ التحوّلات العصبية التي تبدأ بعد ولادة الطفل تُعدّ جزءاً من عملية تطورية عميقة تساعد الوالدين على التكيّف مع دورهما الجديد.
ورغم أن التغييرات قد لا تكون مرئية مباشرة للآخرين، إلا أنّها جوهرية، وتشمل تقوية دوائر التعاطف، والارتباط العاطفي، والانتباه.
كما تشير الإحصاءات إلى أنّ نحو 140 مليون امرأة تلد سنوياً حول العالم، ويشهد كثير من الآباء والأمهات سلسلة من التغيّرات الهرمونية والعصبية المتشابهة التي تساعدهم على بدء رحلتهم الجديدة في التربية.
أدلة من عالم الحيوان: ماذا يحدث لدى القوارض؟
اعتمد الباحثون على دراسة سلوك الغِرْيْضة (القوارض الصغيرة)، حيث تبدو التغيّرات العصبية واضحة للغاية:
عندما تواجه أنثى غير خبيرة من الفئران ولادة صعبة منفردة، تنخفض فرص بقائها وبقاء صغارها بشكل حاد.
ولكن وجود أم خبيرة يغيّر الصورة تماماً، فهي تساعد في إخراج الصغار وتنظيفهم وتسريع الولادة، رافعة احتمال نجاة الأم وصغارها إلى أكثر من 90%.
أما الذكور أو الإناث غير الخبيرات فيقدّمن مساعدة محدودة ولا يحققن النتيجة ذاتها، ما يدل على دور الخبرة والتهيئة العصبية في السلوك الأبوي.
كيف يتغيّر دماغ الأم بعد الولادة؟
تُظهر دراسات مسح الدماغ لدى النساء قبل الحمل، وبعد شهر من الولادة، ثم بعد ستة أشهر، ما يلي:
تغيّرات مؤقتة في المسارات العصبية التي تربط مناطق الإدراك الاجتماعي والذاكرة وتنظيم العاطفة.
بعد ستة أشهر، تعود هذه الروابط إلى حالتها الطبيعية، ولكنها تحتفظ بـ بصمة عصبية جديدة تدعم دور الأبوة والأمومة وتُثريه.
هذا يشير إلى أن الأمومة ليست حدثاً عابراً، بل عملية دماغية مستمرة تخلق أساساً طويل الأمد للتفاعل مع الطفل.
الآباء أيضاً يتغيّر دماغهم
تشير التجارب على الذكور من الفئران إلى أنّ الأبوة والأمومة تُفعّل آلية عصبية محددة:
ترتفع نشاطات قناة عصبية تُسمّى Trpc5 في خلايا منطقة تحت المهاد (الهيبوثلاموس).
تختفي السلوكيات العدوانية تجاه الصغار، ويظهر سلوك مدهش: رغبة في حمل الصغار وإعادتهم إلى العش.
عند تعطيل هذه القناة، تقلّ مظاهر الرعاية.
وعند تعزيزها، حتى الذكور غير المجربين يصبحون أكثر رعاية وحناناً تجاه الصغار.
وهذا يثبت أنّ الأبوة والأمومة ليست مجرّد دور اجتماعي، بل عملية بيولوجية حقيقية.
تُظهر هذه الأبحاث أنّ الأبوة والأمومة تجربة تعيد تشكيل الدماغ بعمق، وتعزّز شبكات التعاطف والانتباه والرعاية. إنها عملية تطورية متكاملة تجعل الأب والأم قادرين على مواجهة متطلبات رعاية المولود الجديد بوصفها وظيفة بيولوجية وسلوكية في آن واحد.