عبد الحميد كناكري خوجة: فلنكتب كلام الله بالزعفران...وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
مقالات
عبد الحميد كناكري خوجة: فلنكتب كلام الله بالزعفران...وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
عبد الحميد كناكري خوجة|كاتب من سورية
23 تشرين الثاني 2025 , 14:47 م


في زمن تتزاحم فيه السرديات المتضاربة، وتشتبك فيه الخيوط الجيوسياسية مع ملامح الجغرافيا الإيمانية، يبقى صوت الحق والحقيقة هو البوصلة الوحيدة التي لاتنحرف، والنبراس الذي لاينطفئ أو ينكفئ، والشعاع الذي يشق عتمة التحوير والتزوير والتحريف، مهما تجبر أهل الإفتراء والتدليس من أرباب الطاغوتين الأكبر والأصغر ، الأشد فتكا وخطرا من أحفاد إبليس.

فالحق_ كما قال تعالى_ ”ويريد الله أن يحق الحق بكلماته". قوله سبحانه أيضا: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض).

ولإن كلمة الحق واجبة كوجوب الإستقامة، وصون الحق فرض لايسقط بالتقادم، فإن الشكر والإمتنان لايقال تزلفا، ولايصاغ تملقا، بل يكتب حيث يجب أن يكتب، ويسجل حيث يجب أن يسجل...وشكر المواقف المشرقة المشرفة، الساطعة الناصعة، تعريف بفضيلة أهلها، وتمجيد للصدق نفسه قبل أن يكون تمجيدا.

ولعل من الإنصاف العلمي، أن أشير_ بميزان العقل لا بميزان الهوى_ إلى أن هذه الأرض التي صمدت في وجه الرياح العاتية والعواصف الغوغاء، حملت عبر العصور عقولا كان لها سهم وافر في نهضة الإنسانية جمعاء، فعلى ضفافها ازدهرت مدارس الفارابي في الفلسفة والموسيقا وعلم الاجتماع، وتألقت اشراقيات الغزالي في سبر أغوار النفس والعقل، ودون البهيقي روائع التاريخ ومنهجياته، ورفد الترمزي والأصفهاني المكتبة الإسلامية بميراث معرفي فريد. ذلك الإرث لم يكن يوما حضارة منغلقة، بل تلاقحت فيه العربية مع الفارسية، والفكر مع الروح، لتتشكل جينالوجيا معرفية أسهمت في رفع قدر الإنسان، وإضاءة دروب العلم، وتعزيز مكانة الشرق في وجه الظلام الكوني. ومن يشهد هذا الألق لا يملك إلا أن يحترم الحقيقة حيث تكون، دون محاباة أو انحياز، بل بإجلال للإنسان العالم أيا كانت أرضه.

ومن هنا، تقف طهران عاصمة الأصالة وحاضنة المبدعين_ كقلب نابض لمعادلة الصبر والصمود. بلد احتمل الحصار، وواجه التضليل الإعلامي المنهجي هذا الإعلام الراكع الممول بعشرات المليارات الممليرة من بعض أصحاب الأبراج الزجاجية الشاهقة عابدي كراسي مرصعة زائلة...

نعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تعرضت لكل أصناف الحرب الهجينة:

سايكولوجية، بروباغندية، بروتوكولية، إستراتيجية، جينالوجية، إثنوسياسية، راديكالية، ليبرالية، ميتافيزيقية، سيميولوجية، وجيوستراتيجية، ومع ذلك بقي هذا البلد الضارب جذوره في أعماق التاريخ قائما، شاهقا كشموخ الجبال.

لقد دفع هذا البلد الأبي ثمنا باهضا في سبيل نصرة قضايا الأمة، محتضنا صوت قدس الأقداس، رافعا راية مسجد الإسراء والمعراج. أقصانا لا هيكلهم المزعوم، ودافع بما أوتي من قدرة عن الصامدين المظلومين في غزة البطولة والنخوة والمروءة والعزة. وعن دماء الأبرياء الذكية، وعن الشرف العربي والإسلامي، وحتى عن مقدسات الأشقاء المسيحيين خصيصا في بيت لحم مهد السيد عيسى بن مريم يسوع المسيح عليه وعلى أمه السيدة مريم إحدى السيدات المبشرات بالجنة وواحدة من خيرة نساء العالمين السلام. كما واجهت إيران الإسلامية الطغيان حين كان غيرها من الأشد نفاقا يركع ويساوم ويذم كل شريف حر مقاوم.

وصمدت حين كان غيرها يتهرب، وفضحت التقسيم والتفتيت حين صمتت ألسنة كثيرة. ولم تكتف طهران بالمواقف السياسية، بل جعلت القرآن محورا لحضارتها، فأسست مؤسسات، وندوات وملتقيات ومسابقات عالمية لتجويد وترتيل القرآن العظيم، واحتفلت بأهله بهدايا وجوائز، محافظة على قدسية النص وروحانيته، مدافعة عنه كلما حاول أحد الحاقدين أن يطعن به أو يسئ إليه.

على الرغم من حقد منابر الظلام وأبواقها المأجورة على هذا البلد الصامد.

ولم يكن الجنوب اللبناني العظيم وشعبه المتحضر بعيدا عن هذا الفلك؛ بل كان خط الدفاع الأول، ورجاله الأشد بأسا في الزود والدفاع ليس فقط عن جنوبهم بل عن كافة أطياف ومكونات لبناننا الشقيق العريق بلد الفن والعلم والجمال. لقد كانت المقاومة الوطنية اللبنانية كرامة لبنان وكرامة أمتنا العربية، وكما لأبناء الجنوب اللبناني مواقف مشرقة جدا و خالدة، كذلك لاشقائي السوريين أدوار لا تنسى، حيث يتجهزون بروحهم الصلبة لتطهير جنوبهم المغتصب من دنس ورجس المحتل الطامع، متصدين لمحاولات التوغل الصهيوني في الجولان والقنيطرة وغيرها، رافضين الإعتداءات السافرة التي بلغت حد زيارة الإرهابي المجرم النتن ياهو للجنوب السوري في واحدة من أقبح صور الاستفزاز والتحدي الوقح مقابل صمت بعض أصحاب المجالس المرصعة.

إن من يشكر الناس على حسن مواقفهم...يشكر الله، ومن ينكر المعروف يقطع صلته بقيم السماء، ”وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان". أليس هذا بقول الرحمن، ولهذا فإن شكر كل دولة بحكومتها وشعبها وقف إلى جانب قضيتنا المركزية_ قضية فلسطين أرض الرياحين وشعب الجبارين_ هو واجب ضميري وأخلاقي وإنساني قبل أن يكون واجبا سياسيا. فكل من قدم دعما إعلاميا، أو صوتا أمميا، أو تضامنا إنسانيا، أو موقفا حرا...فهو شريك في رفع راية الحق ليحق الحق ويحبط الباطل.

إن كلمة الحق ستبقى تصدح...من بعد ببيروت وصنعاء ودمشق وطهران وبغداد وعواصم كثيرة أخرى ومن قلب كل حر صادق عفيف نظيف مفعم قلبه بالوطنية وعشق الأرض في الأمة، إلى كل قلب يتوق لإحلال العدالة والنقاء. فالتاريخ لايكتب بالحياد البارد، بل بالمواقف الحارة، والإرادة الصلبة، والعقل النير، والروح التي لاتبيع مبادئها مهما اشتدت العواصف. وها أنا اقولها كما قلتها سابقا وساأقولها بصوت جهوري صادح لا أخشى في قول الحقيقة في الله لومة لائم، أو حقد حاقد، أو كيد كائد،

( الحق سيصدح بحق الحق...لأن منارة المسك والزعفران والشعب العظيم والحكومة الرشيدة أحسنت قول وإحقاق كلمة الحق). وأن الأمة التي تعرف أقدار الرجال لاتخشى كلمة الصراحة...ولاتخاف أن تضع النقطة فوق الحرف.

وهكذا تبقى ”إيران" عاصمة الزعفران والعرفان قبلة لعشرات ملايين القلوب التي انجذبت إليها عشقا وهيبة؛ إذ رأت فيها مدينة العلم والعلماء، وموطن الأصالة والبسالة ومنبع المواقف البطولية التي لاتخبو. فمنذ أن اشتد لهيب جذوة إنتصار ثورتها الإسلامية 1979، وهي تؤازر مسرى الإسراء وتدافع عن عتباته المباركة وتذود عن قدسية القدس كما تزود عن بيت لحم. لتثبت للعالم أجمع أن الحق إذا ولد في أرض صادقة، فإن صداه يبقى أبد الدهر لاينال منه.

رحم الله شهداء قطاع غزة العزة وأسكن أرواحهم الطاهرة عليين مع الأنبياء والمرسلين.

مفكر وكاتب سوري حر، فنان وطني شامل وإعلامي سابق في الغربة.