ظهرت دراسة جديدة من معهد بيكاور للتعلم والذاكرة في MIT أن الدماغ لا يكتفي بإرسال إشارات عامة إلى مناطق الرؤية والحركة، بل يقوم بتخصيص رسائل دقيقة وموجّهة تبعاً لحالة اليقظة والسلوك، الأمر الذي يغيّر طريقة معالجة المعلومات البصرية دون أن ندرك ذلك.
الدراسة، المنشورة في مجلة Neuron بتاريخ 25 نوفمبر 2025، تكشف بالتفصيل كيف يقوم الفص الجبهي، مركز التحكم التنفيذي في الدماغ، بإعادة تشكيل ما تراه الحيوانات بناءً على مستوى الوعي، الانفعالات، والحركة.
كيف تؤثر حالتك الداخلية على ما تراه؟
يبدو أن العلاقة بين الرؤية والسلوك ليست أحادية الاتجاه. فبينما تعتمد الكائنات على النظر لتوجيه سلوكها، توضح الدراسة أن السلوك والحالة الداخلية (مثل اليقظة) يعيدان بدورهما تشكيل الإشارات التي تصل إلى مركز الرؤية في الدماغ.
وتبين أن الفص الجبهي يرسل إشارات مفصّلة ومصممة لمناطق الدماغ المسؤولة عن الرؤية والحركة، مما يسمح لهذه المناطق بضبط أدائها وفق ظروف مثل:
مستوى اليقظة والتنبيه
النشاط الحركي (مثل الجري لدى الفئران)
درجة أهمية المعلومات البصرية
الفص الجبهي لا يرسل رسالة واحدة بل رسائل متخصّصة
أرادت الباحثة صوفي آرلوند-ريشتر من مختبر سور في MIT معرفة ما إذا كان الفص الجبهي يرسل إشارة عامة واحدة أم إشارات مخصّصة. والنتيجة كانت واضحة:
إشارات موجهة بأدوار مختلفة
وجد الفريق أن منطقتين في الفص الجبهي، وهما:
القشرة الجبهية الحجاجية (ORB)
المنطقة الحزامية الأمامية (ACA)
ترسلان رسائل مختلفة تماماً إلى مناطق:
القشرة البصرية الأساسية (VISp)
القشرة الحركية الأساسية (MOp)
أمثلة على الاختلاف الوظيفي بين ORB وACA
عند ارتفاع اليقظة:
ACA يساعد القشرة البصرية على تحسين دقة التمثيل البصري.
ORB يتدخل عندما ترتفع اليقظة بشدة، حيث يقلّل من دقة المعلومات لتجنب تشتيت الانتباه.
قالت آرلوند-ريشتر: "هاتان المنطقتان تعملان كميزان دقيق: واحدة تعزز الإشارات الضعيفة، والأخرى تكبح الإشارات القوية غير المهمة."
كيف درس العلماء هذا التواصل العصبي؟
استخدم الباحثون مجموعة من الأساليب المتقدمة:
1. تتبّع دوائر الدماغ بدقة عالية
تم رسم مسارات الأعصاب بين ACA وORB وبين VISp وMOp، ليظهر أن:
ACA يستهدف الطبقة السادسة من القشرة البصرية
ORB يستهدف الطبقة الخامسة
2. فئران تجري على عجلة لمراقبة نشاط الدماغ
شاهدت الفئران صوراً بصرية أو مقاطع فيديو طبيعية بدرجات تباين مختلفة، وأُطلقت نسمات هوائية لرفع مستوى يقظتها.
3. تسجيل الإشارات العصبية أثناء الحركة وتغيّر اليقظة
سجّل الباحثون نشاط الخلايا العصبية في الفص الجبهي والمناطق البصرية والحركية.
كيف تغيّر اليقظة والحركة طبيعة الرسائل العصبية؟
أظهر تحليل البيانات عدة نقاط:
خلايا ACA تحمل معلومات بصرية أكثر من خلايا ORB.
ACA يستجيب لتغيرات التباين البصري ويعكس مستويات اليقظة بدقة.
ORB لا يظهر استجابة إلا عند مستويات يقظة مرتفعة جداً.
كلا المنطقتين يحملان معلومات عن سرعة الجري عند التواصل مع MOp.
الرسائل الموجّهة إلى VISp تشير فقط إلى ما إذا كانت الفئران تتحرك أم لا.
ولتقييم النتائج، قام العلماء بحجب المسارات العصبية بين الفص الجبهي والقشرة البصرية مؤقتاً، ما كشف التأثير المباشر لكل منطقة.
كانت المفاجأة أن ACA وORB يوجّهان القشرة البصرية بطرق متعاكسة تبعاً لحالتي الحركة واليقظة.
نموذج جديد لفهم الإدراك البشري
خلص الباحثون إلى أن: "الفص الجبهي يعمل بنظام تغذية راجعة شديدة التخصص، يرسل إشارات مخصّصة لكل منطقة على حدة، وليس إشارات عامة كما كان يُعتقد سابقاً."
هذا يعني أن دماغك لا يعرض لك الواقع كما هو تماماً، بل كما يحتاجك أن تراه استناداً إلى:
مستوى يقظتك
حالتك العقلية
نشاطك البدني