يُعدّ النوم حاجة أساسية لبقاء الإنسان، تماماً مثل الهواء والماء والغذاء، ومع ذلك فهو ليس مجرد عملية فسيولوجية، بل يتأثر بالعوامل الاجتماعية والبيئية والشخصية، واليوم يشير بحث جديد إلى عامل غير متوقع: بقايا من البكتيريا قد يكون لها تأثير على النوم .
هل يمكن أن تؤثر ميكروبات الأمعاء في تنظيم النوم؟
لطالما استبعد العلماء أن يكون لميكروبيوم الأمعاء دور مباشر في تنظيم النوم، لكن دراسة حديثة نُشرت في Frontiers in Neuroscience وجدت مكوّنات من جدار الخلية البكتيرية — مثل الببتيدوغليكان — داخل مناطق في الدماغ تشمل:
جذع الدماغ
البصلة الشمية
تحت المهاد (الهيبوثالاموس)
هذه المناطق مسؤولة عن عمليات في غاية الأهمية مثل تنظيم الإيقاع اليومي والوظائف الأساسية.
ما هو الببتيدوغليكان؟
الببتيدوغليكان، أو المورين، هو شبكة قوية تشكّل الجدار الخارجي لمعظم الخلايا البكتيرية.
من دونه، تصبح البكتيريا أشبه ببالونات ماء هشة.
وجود هذا المركّب في الدماغ أثار تساؤلات حول إمكانية تأثيره على النوم، خصوصاً أن الدراسة وجدت ارتفاعاً في مستوياته عند الحرمان من النوم أو تغيّر أنماطه.
تفاصيل الدراسة: ماذا جرى بالضبط؟
أُجريت التجارب على تسعة فئران ذكور بالغة وُضعت في بيئة ضوئية ثابتة (12 ساعة ضوء/12 ساعة ظلام) لمدة 48 ساعة، مع مراقبة نشاط الدماغ أثناء النوم واليقظة.
بعد ذلك، جرى:
إنهاء حياة الفئران
فصل مناطق الدماغ
قياس مستويات الببتيدوغليكان بدقة داخل كل منطقة على حدة
بالرغم من أن المنهجية كانت صارمة، إلا أن اقتصار التجارب على ذكور الفئران يمثل فجوة كبيرة في فهم تأثير هذه الظاهرة على نصف سكان العالم: الإناث.
لماذا قد تكون نتائج الفئران غير قابلة للتطبيق على البشر؟
الأبحاث على الميكروبيوم الحيواني مفيدة لاكتشاف الآليات، لكنها لا تتوقع بالضرورة النتائج البشرية لأن:
بيئة حياة الفئران تختلف جذرياً عن البشر
تركيبة الميكروبيوم بين الأنواع مختلفة
الدراسات السابقة أثبتت محدودية الانتقال من الحيوان للإنسان
مثال مهم:
في 2006، أظهرت دراسة أن زرع ميكروبات من فئران سمينة في فئران خالية من الجراثيم أدى إلى زيادة وزنها.
لكن تجارب لاحقة لزراعة ميكروبات بشرية في مراهقين يعانون السمنة لم تؤدِّ إلى خسارة الوزن.
إذن: الآلية قد تُفهم من الحيوان، لكن النتائج في البشر تختلف.
هل يمكن للبكتيريا أو أجزائها دخول الدماغ؟
الدماغ يُعتبر عادةً منطقة "معقمة" محمية بواسطة الحاجز الدموي الدماغي، وهو نظام دقيق يمنع دخول الميكروبات.
لكن الأبحاث وجدت أن شظايا بكتيرية صغيرة مثل:
الببتيدوغليكان
عديد السكاريد الدهني (LPS)
يمكن أن تتسرب إلى الدماغ لأنها أصغر بكثير من البكتيريا نفسها.
متى يصبح الحاجز الدموي أكثر نفاذاً؟
الحرمان من النوم
الالتهابات
التقدم في العمر
التمارين الشديدة
كما أن جدار الأمعاء يصبح أكثر نفاذية بسبب تغيّرات يومية مرتبطة بالساعة البيولوجية، مما يسمح بعبور جزيئات من الأمعاء إلى الدم.
هذا قد يفسر انتقال أجزاء البكتيريا إلى مناطق مختلفة من الجسم، بما في ذلك الدماغ.
الميكروبيوم والمحور المعوي الدماغي
تشير الأبحاث الحالية إلى أن الميكروبيوم قد يؤثر على الدماغ عبر:
الهرمونات
الجهاز المناعي
إشارات عصبية عبر العصب المبهم
لكن معظم هذه الأبحاث أجريت على القوارض، وما زال جزء كبير من الصورة غامضاً وغير محسوم عند البشر.
ولهذا يحتاج العلماء إلى:
دراسات بشرية واسعة
تدخلات طويلة الأمد
تعاون بين تخصصات متعددة (المناعة، الأعصاب، الميكروبيولوجيا)
حتى الآن، لا يزال الطريق طويلاً لفهم العلاقة الدقيقة بين النوم والميكروبيوم.
الخلاصة: ماذا نعرف فعلاً؟
نعم، شظايا بكتيرية يمكن العثور عليها في الدماغ.
ربما تؤثر على النوم، لكن الأدلة الحالية ليست قاطعة.
لا يمكن الاعتماد على دراسات الفئران وحدها لفهم تأثير الميكروبيوم على نوم الإنسان.
نحن في بداية الطريق فقط لفهم الترابط الهائل بين أجزاء الجسم والميكروبات التي تعيش في داخله.