كتب حليم خاتون: مرة أخرى، ذهب لبنان، وفلس الارملة.
دراسات و أبحاث
كتب حليم خاتون: مرة أخرى، ذهب لبنان، وفلس الارملة.
حليم خاتون
19 تشرين الثاني 2020 , 02:05 ص
كتب حليم خاتون: مرة أخرى، ذهب لبنان، وفلس الارملة. عندما يخرج رياض سلامة ليعلن هكذا وبكل بساطة، أنه غير قادر على دعم الدواء؛ عندما يخرج النائب عراجي ليعلن أن هناك أنواعًا كثيرة من الأدوية يم


كتب حليم خاتون:

مرة أخرى، ذهب لبنان، وفلس الارملة.


عندما يخرج رياض سلامة ليعلن هكذا وبكل بساطة، أنه غير قادر على دعم الدواء؛ عندما يخرج النائب عراجي ليعلن أن هناك أنواعًا كثيرة من الأدوية يمكن التوقف عن استيرادها، لتكلفتها العالية من جهة، وإمكانية استبدال أدوية مكانها من جهة أخرى؛ من حقً اللبناني أن يتساءل: لماذا يجري ما يجري، وما هو أفق مسيرتنا؟


عندما استطاعت شركتا Biontek و pfizer تطوير لقاح مكافحة ڤايروس كوفيد-١٩،  وقرأ اللبناني أن الشركة الألمانية التي أسّسها الدكتور شاهين وزوجته، وبيعت منذ فترة بمليار دولار؛ تساءل اللبناني: كيف يُمكن لزوجين من أصل تركي أن يتمكنا من تأسيس شركة في ألمانيا،ثم بيعها بمليار دولار، ولا يستطيع لبنان بيع ذهبه الذي يُقدّر ب١٨مليار دولار، لبدء صناعة دوائية و التوقّف عن الإستيراد؟

وفوراً يأتيه الجواب الصادم:


لقد تدفق على لبنان، خلال الثلاثين سنة الأخيرة، مبالغ تفوق ال٢٥٠ مليار دولار ... ولم يقم أحد بتأسيس أية صناعة ذات جدوى عالية، باستثناء بعض المغامرات الفردية التي كانت مغامرات بكل ما في الكلمة من معنى..

لقد جرى ما جرى في لبنان ببساطة، لأن الذين حكموا البلد خلال هذه السنين كانوا بشكل أساسي من اللصوص والمقاولين ( مع استثناءات محدودة جدا).

في أوائل التسعينات جاءنا رفيق الحريري من وحي أحلام المنظومة العربية بقرب إقامة "سلام" بين البلاد العربية والعدو الصهيوني ...

ولا زلت أذكر الحزن الذي ألمّ بالكثيرين من رجال الأعمال الكبار والسياسيين في بيروت يوم هُزم شيمون بيريز في الانتخابات داخل الكيان, طارت "حمامة السلام"،وجاء أرئيل شارون، رجل"دعوَسة" حكام العرب "بالصرماية ".

كانت مهمة رفيق الحريري تحويل لبنان الى كازينو المنطقة، وملهاها الليلي؛ حلم الحريري الأب كان، جعل بيروت، مونتي كارلو المنطقة.

لم يكن الوسط التجاري وماجرى فيه، من نهب وصفقات، سوى قمة جبل الجليد, تدفّقت الأموال التي رفعت الأسعار العقارية إلى مستويات قياسية.
تجاوزت الأسعار كل معقول، حيث فاق سعر المتر المربع على كورنيش المنارة وفردان  وعين التينة والرملة البيضاء أكثر من خمسة أضعاف سعر المتر المربع في أحياء فيينّا الراقية.

حتى الضاحية الجنوبية دخلت في نفس الحمّى، حيث فاق سعر المتر المربع بين الطيونة وكنيسة مار مخايل سعر المتر المربع في وسط برلين, صار من الصعب لجيل الشباب الجديد أن يبقى في منطقته، أو حتى أن يبقى ضمن حدود بيروت الكبرى, حتى كبار السن، وجدوا أنفسهم ينتقلون إلى الضواحي الجديدة والبعيدة في عرمون وبشامون وخلدة والسعديات وغيرها...

والغريب أنّ جمهور رفيق الحريري من "السنّة" المتعصّبين، هم أول ضحايا هذه السياسة الاقتصادية التي هدفت إلى جعل بيروت مدينة الأثرياء, لم يكن بمستطاع الطبقة الوسطى البقاء ضمن بيروت الكبرى، إلّا في حالات نادرة جدًّا وناتجة بشكل أساسي عن انتظار بيوعات بأسعار أعلى، أوالحصول على تعويضات إخلاء.

حتى بعض الاقتصاد المُنتج القديم ما لبث أن جرفته سياسة الحريري الإقصائية, اختفت البساتين المحيطة ببيروت، في حارة حريك وبيرالعبد والرويس والغدير والشويفات وحصل الأمر نفسه مع اختفاء بساتين الأكيدنيا في صيدا، وبساتين النخيل جنوب المدينة...

كانت المليارات المتدفقة تفتش عن الربح العقاري الذي سوف يتضاعف مع حلول السلام, مع عقيدة مونتي كارلو هذه، تُركت الزراعة تموت؛ والأمر ذاته حصل مع الصناعة, تم التخلّي عن الحمائية الجمركية لصالح الTVA. ونفس نسبة الTVA يدفعها المُنتج المحلّي والمُنتج المُستورد.

لم أصدّق حين أردت استيراد بلاط سيراميك من البقاع، أن أسعارها أكثر من ضعف أسعار السيراميك الإسباني, حتى داخل السوق اللبنانية نفسها، كان الفارق القليل في السعر بين المُنتجَين ناتج عن سعر النقل فقط.
حتى جهاز إضاءة  ال flourescent كان أكثر ثمنا من الماركات العالمية، من أمثال Claude و Philpps.

كانت ضريبة ال TVA في الحقيقة "استفادة صافية "للحكومة، والتجار والبضاعة المُستوردة., الحكومة استطاعت وضع ضريبة غير مباشرة تُصيب كل المواطنين بالتساوي، فقيرهم وغنيّهم، وبذلك أمّنت مدخولا جديداً للنّهب العام.

المُنتجات الأجنبية استطاعت زيادة تنافسيتها، عبر تحويل جزء من الجمارك إلى ضريبة تطال الجميع دون تفرقة بين الصناعة المحليّة وتلك المُستوردة؛ بمعنىً آخر، زاد قانون ال TVA من قدرة منافسة البضاعة المُستوردة لتلك المحليّة.

أما التجّار، فحدًث ولا حرج, لقد استفادوا عبر الاستيراد من جهة، واستفادوا عن طريق زيادة ال TVA إلى أرباحهم عبر عدم التصريح الفعلي الناتج عن سياسة الدفتَرَيْن المنتشرة في كل أنحاء العالم؛ إذ كيف يُمكن مثلا محاسبة محلّ الحلويات على ما يصنعه، من كنافة أو بقلاوة؟
من يُحصي وزن ما يُحضّر؟

ما حصل في الزراعة، حصل أيضاً في الصناعة، كما ذكرنا أعلاه مع صناعة السيراميك، صناعة أجهزة الإضاءة وصناعة الأحذية.

منذ سنين والاقتصاديون يصرخون ويحذًرون من الكارثة التي توشك على الوقوع.. وقعت الكارثة وأفلس البلد..ماذا بعد؟


لبنان، كما يبدو لن يصل إلى حكومة في المدى المنظور, لن يجرؤ الحريري على مخالفة الأميركيين, كذلك لن يخضع التيار العوني، لا لِابتزاز الحريري، ولا  للأميركيين؛ ثم إن له حصّة في الكعكة اللبنانيّة غير قابلة لأن يتنازل عنها .

كما أنه غير مسموح لحزب الله التنازل أكثر، والتضحية المجانيّة, مع كل الانتقاد لتجربة وزراء الحزب في السنوات الأخيرة، إلا أنّهم ضمانة عدم استئثار أزلام السعودية وأمريكا بمقدّرات البلد دون رقابة، نتمنى أن تكون هذه المرّة، أكثر جديّة وأكثر قساوةً ودون أي مراعاة. 

هذا الستاتيكو باقٍ، على الأقل حتى ذهاب ترامب إلى بيته، وعلى أساس افتراض العودة إلى العقوبات الذكيّة من قبل بايدن بدل العقوبات الفجّة،
المباشرة والتى لا يهمها حتى احتراق أزلامها في لبنان.

بانتظار استقامة الأوضاع، هل يبقى لبنان دون أي فعل؟

ألا يستطيع مجلس النواب الاجتماع استثنائيا، وإقرار مرسوم يسمح ببيع الذهب، مع تشكيل مجلس اقتصادي اجتماعي، من غير أعضاء البرلمان للإشراف على هذه العملية؟

في كتابه "النبي"، يقول جبران خليل جبران على لسان شخصيّة المصطفى، ويل لأمًة تلبس مما لا تنتج، وتأكل مما لا تزرع.

سيكون الشرط الأول لهذه المليارات الآتية من بيع الذهب وضع أحجار أساس لمشاريع صناعيّة جديرة، مثل المختبرات الدوائية التي لا تحتاج إلى أكثر من ملياردولار، كماقال الدكتور حسن مقلّد, إعادة إحياء المشروع الأخضر لفؤاد شهاب عبر دعم مشاريع تعاونيات زراعية في البقاع وسهل عكار، وعلى امتداد الساحل وفي المساحات الكبيرة ولتنشيط الحركة الاقتصادية، يتمّ التحرير التدريجي لكل الإيداعات الصغيرة والمتوسطة، بمعدل ١٠٠ مليون دولار شهرياً، على أساس أن لا تزيد السحوبات  fresh ‏Dollar  عن ١٢٠٠٠ دولار سنوياً للعائلة الواحدة، وعلى ألّا تتعدد السحوبات بتعدد المصارف، مع التوقّف عن السرقة الموصوفة التي تقوم بها المصارف والمصرف المركزي، عبر إجبار الناس على سعر ٣٩٠٠ ليرة للدولار، بينما هو يفوق الضعف في السوق.
فإذا اتّبعناهذاالمعدل ننتهي من معظم المشاكل الاجتماعية، خلال ثلاث سنوات على الأكثر.

ولكي نعيد إلى القطاع المصرفي بعض الثقة التي لا يستحقّها، يتمّ فرز كبار المودعين بين من كسب ماله بشرع الله،وهم قليلون جداً، حسب التجربة الإنسانية؛ وهؤلاء نسمح لهم بسحوبات لا تزيد على٥٠ ألف دولار سنويّا، وعلى مدى خمس إلى سبع سنوات، كحد أقصى، قابلة للتجديد حسب تطور الأوضاع الاقتصادية.

أما المقاولون، والسياسيون، وغيرهم من طبقة الأوليغارشيا الذين لا يستطيعون إثبات براءة ذمتهم المالية؛ هؤلاء يتمّ تجميد كلّ أصولهم المنقولة وغير المنقولة، بانتظار إجراء تحقيق جنائي كامل لكل مشاريعهم.

هل هذا حلم  ممكن؟.
لكن ما هو الحل الآخر ذو المصداقية؟

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري