”من تزييف الوعي إلى تجفيف الموارد...هندسة الخداع في أسواق الهيمنة".
في زمن تتقاطع فيه السايكلوجيا الاستعمارية مع الميتافيزيقيا السياسية، يعاد تشغيل المسرحية القديمة ذاتها: فاعلون يبدلون الأقنعة، أساليب تتجدد، بينما الهدف ثابت منذ قرون...إخضاع الجغرافية، وتجويف الوعي، وتجفيف الموارد.
الإستعمار اليوم لايأتي بمدفع، بل يأتي بحقيبة استثمارية؛ ولايفرض نفسه بقوة الحديد، بل بقوة الاستحمار المنهجي الذي يتسلل عبر الإعلام، ”وسوق الاستهلاك، وصفقات الحماية" التي تفرض على من يسهل ابتزازهم في الليالي المعتمة.
وفي بعض بلدان المربعات الرملية الأربعة_ اللامعة ظاهريا والمتصدعة باطينيا_ أعيد تحويل الخزائن التي تأتي من رحلة الطواف وطريق السعي بين النورين، إلى صنابير مالية تنزح نحو خزائن القوى الإستكبارية الكبرى. ليست تنمية، بل استدرار سياسي يرفع شعار ”الإستثمار" بينما هو في الحقيقة هندسة محكمة لنقل الموارد من الشرق إلى الغرب دون أن يشعر المواطن إلا بفتات موارد السماء والأرض، بدل أن تكون مشاريع تعليم وصناعة وعلوم ومعونات للشباب العربي والمسلم.
والتهديد المفبرك وكأن عروش تحمى بفواتير لا بوعي شعوبها. ولم يتوقف الأمر عند ذلك؛ فبعض تلك الموارد المالية الفلكية تسربت عبر قنوات معتمة_ لدعم تنظيمات التكفير والتفخيخ والتخريب والتفجير التي نشأت في معامل ”إسلام حلف الأطلسي" فلطخت الإسلام، وجردت الأمة من هدوئها، وفتحت أبواب الفوضى على غزة والشام واليمن والصومال والسودان وليبيا والعراق وبلدان أخرى. كل ذلك كان جزءا من جينالوجيا الخراب التي تتقنها غرف الهيمنة الطاغوتية.
وفي مقابل هذا الإنهيار وفي بوابة الشرق، برزت دولة شرقية رفضت الإملاءات الإستعمارية كما رفضت الخضوع أو الاستسلام، ”جمهورية إيران الإسلامية" التي قررت ومنذ سطوع جذوة انتصار ثورتها الإسلامية سنة 1979_ أن تبقى مستقلة، وأن تبني قدراتها بذراعها، ولم تطلب وصاية، أو توقع على دفتر الطاعة لحكومات معسكر الهيمنة والتوسع والسلب والنهب والإستعلاء.
ولم تعرف الإنحناء لعواصف الحصار. ومن هنا بدأ التكالب عليها: منذ اللحظة الأولى لارتفاع راية انتصارها المشرف، حيث فتحت عليها أبواب الفتن، وحروب الظل، والتحريض الإعلامي عبر أبواق العمالة المأجورين من عوائد بعض العروش الأعرابية. وصناعة سرديات إبليسية تهدف لإطفاء نور استقلالها. ومع ذلك، وقفت وتقدمت، واستطاعت_ رغم الحصار المطبق عليها وبوعي شعبها وتلاحمه وثقافته العالية وإدراكه لمخاطر حكومات دول الإستكبار والأطماع وخبث سياسيها. واستطاع هذا البلد وبفضل رشد سياسيه وفطنة جماهيره أن يحقق نهضة علمية وتكنلوجية جعلت عشرات الملايين حول العالم يعيدون النظر في معاني السيادة والكرامة. والافت أن هذا التقدير الشعبي العالمي لم يأت من دعاية أو ترويج؛ بل من مشاهدة الواقع نفسه: بلدان تستسلم وجمهورية تحفظ كرامتها وتصون ترابها الوطني وتحي تراثها وإرثها الضارب جذوره في أعماق التاريخ وتقف مع الحق أينما كان وتحق الحق دون أن تفرض على أحد طاعتها أو رؤيتها. تقدير نابع من حقيقة تتجلى اليوم للعيان: أن هناك من يبيع قراره، وهناك من يحمي قراره.
وفي الضفة الأخرى من العالم تحديدا في أرض الأمازون النفطية العظيمة، تكرر المشهد ذاته؛ فالدولة التي تملك واحدا من أكبر احتياطات النفط في الأرض أصبحت فجأة هدفا لحملات ” محاربة السموم البيضاء"_ وهي ذريعة مثل كل الذرائع_ لفتح باب الاستنزاف والسيطرة على مواردها الهائلة. كل شيئ يعاد تدويره...العبارات، الإتهامات، الخطابات... بينما الهدف واحد: الثروة.
وبكلمتي الختامية: إن الوعي حين يعود، يهدم معابد التضليل، ويكشف الحقيقة: أن الإستعمار تغير شكله ولم يتغير معدنه، وأن الاستحمار ليس إلا سيميولوجيا خادعة، وأن الاستدرار ليس سوى سلب ونهب مغلف بالشعارات.
وأن من يصمد بوجه الهيمنة_ أيا كان اسمه_ يستحق الإحترام لا الانحياز، والتقدير لا التخويف. ( وقل جاء الحق وزهق الباطل)...
والحق لايزهر إلا حين يستيقظ الوعي.
مفكر كاتب حر، لا أنتمي لأية جهة. فنان وطني شامل وإعلامي سابق في الغربة.