كيف يساعد النوم على إعادة ضبط ساعة الجسم البيولوجية؟
دراسات و أبحاث
كيف يساعد النوم على إعادة ضبط ساعة الجسم البيولوجية؟
11 كانون الأول 2025 , 13:33 م

يتجه عامل نوبات ليلية إلى منزله مع شروق الشمس. هاتفه يؤكد أن اليوم هو الثلاثاء، لكن جسده يشعر وكأنه لا يزال في يوم أمس. هذا الارتباك ليس شعورا نفسيا عابرا، بل نتيجة خلل في الساعة البيولوجية للجسم (الإيقاع اليومي)، التي تنظم النوم، وتناول الطعام، ومستويات النشاط، وحتى صحة القلب.

ويؤكد علماء القلب أن هذا الخلل قد يكون له تأثيرات خطيرة تتجاوز الإرهاق وتقلب المزاج، ليصل إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب.

ما هي الساعة البيولوجية ولماذا تهم القلب؟

الساعة البيولوجية هي نظام داخلي يعمل على مدار 24 ساعة، ويتأثر بتعاقب الضوء والظلام. هذا النظام ينسق عمل أجهزة الجسم المختلفة، وخاصة القلب.

ويشرح الدكتور لوري كيرشنباوم، مدير معهد علوم القلب والأوعية الدموية في مستشفى سانت بونيفاس وأستاذ علم وظائف الأعضاء بجامعة مانيتوبا، أن: “اختلال الساعة البيولوجية لا يغيّر فقط نمط النوم، بل يؤثر مباشرة في طريقة عمل القلب ويزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية”

القلب أثناء النوم: وردية ليلية حيوية

أثناء النوم، لا يتوقف القلب عن العمل، بل يبدأ ما يشبه عملية تنظيف داخلية دقيقة.

داخل كل خلية قلبية توجد آلية أشبه بـ”مطحنة نفايات”:

تزيل البروتينات التالفة

تعيد تدوير المكونات الخلوية

تحافظ على كفاءة الخلايا القلبية

لكن هذه العملية تعتمد بشكل مباشر على انتظام دورة الضوء والظلام.

ويحذر كيرشنباوم: “عند اضطراب هذه الدورة، تفشل آلية التنظيف، فتتراكم البروتينات التالفة مثل ساحة خردة داخل الخلايا، مما يعيق عملها الطبيعي ويساهم في ظهور الأمراض”.

اضطراب النوم يعطّل نظام الصيانة الخلوية

كشفت أبحاث فريق كيرشنباوم أن:

بعض جينات الساعة البيولوجية لا تكتفي بقياس الوقت

بل تتحكم أيضا في أنظمة ضبط الجودة داخل الخلايا

وعندما يختل التوازن بسبب:

العمل بنظام المناوبات

اضطراب الرحلات الجوية (Jet lag)

التوقيت الصيفي

فإن عملية الصيانة الخلوية تتعطل، وتضعف خلايا القلب تدريجيا

القلب العضو الأكثر حساسية لاختلال التوقيت

رغم أن آثار اضطراب الساعة البيولوجية تظهر في أنحاء الجسم كافة، فإن القلب يُعد من أكثر الأعضاء تأثرا.

ويقول كيرشنباوم: “حتى التغيرات البسيطة في دورة الضوء والظلام قد تُحدث تأثيرات عميقة على القلب”.

ولهذا يعمل فريقه على:

تطوير أدوية تحاكي إشارات الساعة البيولوجية

اقتراح حلول سلوكية لتنظيم أوقات النوم والعمل

وذلك ضمن مجال علمي حديث يُعرف باسم العلاج الزمني (Chronotherapy)، الذي يدرس تأثير توقيت تناول الأدوية والعلاجات على نتائجها الصحية.

قلوب النساء إيقاع مختلف

قاد كيرشنباوم في مستشفى سانت بونيفاس برنامجا بحثيا متخصصا في صحة قلب المرأة، بهدف سد الفجوة المعرفية بين الجنسين في أمراض القلب.

فلسنوات طويلة:

أُجريت معظم الدراسات القلبية على الرجال

أُهملت الاختلافات البيولوجية لدى النساء

مما أدى إلى:

تشخيص خاطئ لأمراض القلب لدى النساء

أو تأخر العلاج في كثير من الحال

اختلافات جينية بين الرجال والنساء

تشير النتائج الأولية إلى أن:

بعض الجينات المرتبطة بالساعة البيولوجية

تعمل بشكل مختلف في قلوب النساء مقارنة بالرجال

ويقول كيرشنباوم: “نلاحظ أن هذه الاختلافات قد تفسر زيادة خطر إصابة النساء بأمراض القلب، مثل النوبات القلبية وارتفاع ضغط الدم، خاصة عند التعرض لقلة النوم”.

كما يدرس فريقه تأثير بعض علاجات السرطان التي قد تزيد من خطر فشل القلب لدى النساء بعد انتهاء العلاج.

ماذا يعني هذا لعمال المناوبات؟

يُعد العمل بنظام المناوبات أمرا شائعا في:

المستشفيات

المصانع

قطاع النقل

ومن خلال فهم تأثير اضطراب الساعة البيولوجية على القلب، يسهم هذا البحث في:

تحسين استراتيجيات الوقاية

تطوير علاجات أدق

دعم صحة النساء اللواتي ما زلن أقل تمثيلا في أبحاث القلب

وقد يضع هذا العمل العلمي مانيتوبا في موقع ريادي عالمي في أبحاث الساعة البيولوجية وصحة القلب.

من المناوبات الليلية إلى الفضاء

ماذا يحدث للقلب عندما يختفي مفهوم الليل والنهار تقريبا؟

للإجابة عن هذا السؤال، تعاون مختبر كيرشنباوم مع:

وكالة ناسا (NASA)

الدكتورة إينا رابينوفتش-نيكيتين من جامعة مانيتوبا

لدراسة تأثير:

انعدام الجاذبية

الاضطراب الشديد في دورة الضوء والظلام

على قلوب رواد الفضاء.

ويشرح كيرشنباوم: “رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية يشاهدون 16 شروقا وغروبا كل 90 دقيقة، مما يؤدي إلى تغير شكل القلب من هيئة ممدودة تشبه كرة القدم إلى شكل أكثر استدارة”.

تكشف هذه الأبحاث أن النوم المنتظم ليس رفاهية، بل عنصر أساسي لإعادة ضبط الساعة البيولوجية وحماية القلب من التلف. سواء على الأرض أو في الفضاء، يظل التوازن الزمني مفتاحا لصحة القلب، وخلله قد تكون له عواقب خطيرة، خاصة على النساء والعاملين بنظام المناوبات.

المصدر: University of Manitoba