بين الإستسلام والصبر والصمود: لن يَسقُط السلاح
مقالات
بين الإستسلام والصبر والصمود: لن يَسقُط السلاح
موسى عباس
11 كانون الأول 2025 , 15:54 م

كتب الأستاذ موسى عباس

ثلاثٌ وأربعون سنة في أصعب المراحل التي مرّ بها لبنان وحزب الله يقف في خط النار وتحت النّار ولم يُهادن الصهاينة وحلفاءهم .

ثلاث وأربعون سنة وهو الدِرْعْ والسّدّ المنيع في أحلك الظروف وأشدّ المراحل حرجاً وخطورةً،

ثلاثٌ وأربعون سنة لم يتزحزح فيها عن مبادئه ولا استبدل مواقفه ولا موقِعهْ، حين كانت البلاد في رحاب الهزيمة بعد وصول جيش الإحتلال الصهيوني إلى قلب العاصمة بيروت بعد اتفاق المبعوث الأمريكي" فيليب حبيب"والذي أدّى خروج المقاومين الفلسطينيين من بيروت وبعد احتلال جيش المجرم المقبور "شارون" مقر الرئاسة اللبنانية في "بعبدا"والتقط صوراً وهو يمدّ رجليه فوق المكتب الرئاسي في القصر الجمهوري ، ومن قلب المعاناة انبثق ماردٌ من قُمْقُم الهزيمة والانبطاح والإستسلام ليجعل جيش الصهاينة وعملاءهم كالفئران تقع في مصائد الأبطال يحوّلونهم "كالعصف المأكول"، ولا زال أهل بيروت يتذكرون عمليّة المقاوم "خالد علوان" من المقاومة الوطنيّة في "الويمبي"والذي أدّت إلى خروج جيش الصهاينة من بيروت وهم ينادون عبر مكبرات الصوت : "يا أهل بيروت لا تطلقوا النار علينا نحن خارجون" وكذلك مشهد المجرم شارون يبكي أمام أطلال مقرّ قيادة قواته في مدينة صور الذي حوّله الإستشهادي البطل "أحمد قصير" إلى أطلال تغطي جثث قتلى وجرحى ضباطه وجنوده .

وحين احتل المارينز الأمريكي والبحرية الفرنسية بيروت تحت مُسمى القوات المتعددة الجنسيات نالوا نصيبهم "مئات القتلى والجرحى" وفرُ من تبقى منهم حيّاً كالجرذان عبر شاطئ بيروت .

عندما جرّب الصهاينة حظّهم في القضاء على المقاومة الاسلامية في تمّوز 1993 وفي نيسان 1996 كانت هزيمتهم مُدوّية وخضعوا لشروط المقاومة فيما عُرف باتفاق نيسان 1996،وفي العام 2000 جاءت الهزيمة الأولى للكيان الغاصب في تاريخ الصراع العربي الصهيوني الإنسحاب تحت النار في 25 أيّار 2000 وبدون قيدٍ أو شرط.

تكرّر مشهد هزائمهم في 14 آب 2006 بعد حرب ال33 يوميّاً ، نصرٌ نغّصه القرار 1701 والذي ما كان ليَصْدُرْ لولا تواطؤ حكومة "فؤاد السنيورة "الذي سعى للقضاء على المقاومة وتآمرَه مع "كونداليزا رايس" وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة التي كانت بشّرت بإقامة وتنفيذ"مشروع الشرق الأوسط الجديد.

"إتفاق 1701 لم تعلن المقاومة حينها الموافقة عليه صراحةً وإنّما كانت تسعى لعدم الإنجرار إلى صراع داخلي مع عملاء الكيان الصهيوني .

الانتصارات التي حقّقها حزب الله والمقاومة الوطنيّة قبله لم تكن لتتحقق لولا التصميم على الوصول إلى هدف معروف مسبقاً ولولا رؤية وتخطيط استراتيجي واضح المعالم لتحقيقه وهو التحرير ، وما كان هذا ليحدث لولا التضحيات الجسام ومن دون صبر ومعاناة المقاومين وبيئتهم الحاضنة التي صمدت رغم المجازر التي ارتكبها الصهاينة،ولم تبخل بأي شيء لأجل عزتها وعزّة الوطن ، فقدّمت آلاف الشهداء والجرحى والأسرى إضافةً إلى التهجير القسري وتدمير آلاف المنازل في الجنوب والضاحية الجنوبية ل بيروت وفي البقاع.

يأخذون على المقاومة إسنادها للمقاومة الفلسطينية في حرب" طوفان الأقصى" في الو قت الذي وقف العالم يتفرّج على الإبادة الجماعيّة في "غزّة "وأوّلهم العرب الذين لم يأبهوا لإعلان المجرم "النتن ياهو" بأنّ جيشه كان سيغزو لبنان في الحادي عشر من شهر أوكتوبر 2023 يعني بعد أربعة أيّام من بدء معركة طوفان الأقصى ولكن حدث ما حدث وكان من الواجب الأخلاقي والإنساني والديني مساندة المقاومة في فلسطين ولا يجوز الوقوف متفرّجين وترك المقاومة في فلسطين وحيدة.

ووقعت المفاجآت :

" تفجيرات البيجر وإغتيال القادة وصولاً إلى الضربة الأقسى إغتيال سماحة السيّد حسن نصرالله" تلك الضربات المتتالية والتي باعتراف كبار الإستراتيجيين العسكريين والأمنيين والسياسيين في العالم من أمريكيين وأوروبيين أنّ تلك الضربات والتي ترافقت مع ألف وستمائة غارة على مواقع المقاومة في لبنان خلال بضع ساعات فقط والتي شارك في تنفيذها الطائرات الأمريكية والبريطانية لوحدثت لأي دولة كبرى أو صغرى لأنهارت واستسلمت كليّاً ،ولكن المقاومين صمدوا وكانت المفاجأة الكبرى للصهاينة ولحلفائهم في الداخل اللبناني وفي الدول الكبرى أنّ 75000 جندي من جيش الصهاينة المدعومين جوّاً وبرّاً وبحراً وبأحدث الأسلحة التي أنتجتها مصانع الأسلحة الأمريكية والبريطانية والإلمانية والغربية عموماً وبمئات أقمار وطائرات التجسس فوجئوا جميعا بأنّهم لم يستطيعوا اختراق الحافة الأمامية على طول الحدود مع لبنان من "الناقورة حتى مزارع شبعا" ودّمّرت دباباتهم وقتل وجرح المئات من جنودهم ، ووصلت الصواريخ والمسيّرات المقاوِمة إلى عمق الكيان الغاصب وحتى إلى منزل "النتن ياهو" ،في الوقت الذي كان يتوقع العالم وصول جيش الصهاينة إلى بيروت وإلى كل مكان في لبنان وإعلان لبنان جزءا ً من الكيان الغاصب ومقدّمة لتنفيذ باقي خطّة "إسرائيل الكبرى"ولكن جرت رياح بضع مئات من أبطال المقاومة الأشاوس عكس الرياح التي كانت تشتهيها مُدَمّرات المجرم ترامب ونُخبة جيش الجزّار النتن ياهو"، وكلّما كانت تشتدّ المجازر بحق البيئة المقاومة كانت تشتد عزيمتها وكذلك عزيمة المقاومين على تخوم فلسطين الذين سطّروا الملحمة تلوَ الأخرى على طول الحدود وباتت المواجهات في بلدات "الخيام و عديسة وعيثرون ومارون وبارون وعبثا الشعب والناقورة وغيرها من البلدات " وصولاً إلى مواجهات بلدة "شمع" البطولية شاهداً ولا زالت مواجهة وثبات وجرأة المقاوِم البطل "إبراهيم حيدر" وحيداً لعشرات ضبّاط وجنود الصهاينة ودباباتهم عند تخوم بلدة (القوزح) والتي عرض مشاهدها الصهاينة سوى دليل على الفشل الذريع وعلى الهزائم التي لحقت بالغزاة ، وكانت "معارك الخيام وشمع " والقصف الصاروخي على تل أبيب وعلى غالبية المراكز الإستراتيجية للكيان الصهيوني أجبرت قادة الصهاينة على الطلب من الموفد الصهيو-أمريكي (هوكشتاين) أن يطلب وقف إطلاق النار من الرئيس "نبيه برّي" الذي كان مفوّضاً من حزب الله بالمفاوضة عنه ووافق على إعلان وقف القتال بناءً على القرار 1701 الصادر في آب عام 2006.

حزب الله ومقاومته وبيئته صبروا وصمدوا ولم ينهاروا ولم يسقطوا في الوقت الذي انهارت وسقطت واستسلمت دول تملك الجيوش الجرّارة والأسلحة المتطورة دون أن تطلق طلقة واحدة وفي الوقت الذي تآمرت حكومات العالم بمجمله إمّا مباشرةً وإمّا عدم مبالاة حتى عن قول كلمة حقّ ، صمدوا وشعارهم نموت واقفين ولن نركع وكرامتنا من الله الشهادة ، وكما قال وجسّد الواقع سيّدهم الشهيد سماحة السيّد حسن نصرالله:

"نحن لا نُهزَم نحن حين نُستشهد ننتصر وحين ننتصر ننتصِر.

هذا هو الواقع الذي لا يفهمه أصحاب العقول الذين لا تعني لهم الكرامة الوطنيّة أي شيء وكذلك العشرات ممن يملأون الشاشات والمحطات والصحف بتفاهاتهم التي يُسمّونها الواقعية والحقيقة هي تجاريّة استسلامية انبطاحية.

وكذلك ودون أسف أولئك الذين كانوا يلعقون قصاع المقاومة وعند أول مُنعطف تحوّلوا إلى "المناسف الدَسِمة" عند التطبيعين.

في النهاية لابديل عن المقاومة

والتخلّي عنها يعني الخضوع الذي يؤدي إلى النهاية الحتميّة.

ولن يَسقُط السلاح .

الأرض عروس مهرها التضحيات الجسام التي لا يقدر عليه إلّا اصحاب البصيرة الثاقبة والبصر الحّاد ّالذين ينظرون إلى أقصى البعيد و يُعِدون العُدّة للمعركة الفصل ،وأعتقد أنّها ليست ببعيدة،ولا مفرّ من النصر.