تمكّن علماء لأول مرة من تتبّع الكيفية التي يبدأ بها دماغ الأطفال في التمييز بين الحروف على المستوى العصبي، حتى قبل تعلّم القراءة رسميا. فقد أظهرت دراسة حديثة أن القدرة الأساسية على التفرقة بين حروف الأبجدية الأم والأبجديات الأجنبية تتكوّن في مرحلة الطفولة المبكرة جدا، ما يغيّر الفهم السائد حول نشأة مهارة القراءة.
دراسة علمية رائدة من جامعة «سيريوس»
أجرى المركز العلمي للأبحاث المعرفية في جامعة “سيريوس” دراسة متقدمة لفهم الأساس العصبي لمهارة القراءة لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و9 سنوات.
واعتمد الباحثون على تقنيتين حديثتين هما:
التحفيز البصري الدوري السريع (FPVS)
تخطيط كهربية الدماغ (EEG) بـ 32 قناة
وقد نُشرت نتائج الدراسة في المجلة العلمية الدولية Cortex.
كيف أُجريَت التجربة؟
شارك في التجربة أكثر من 40 طفلا، حيث عُرضت عليهم سلسلة متتابعة من حروف الأبجدية الروسية، يتخللها بشكل منتظم نوعان من المحفزات المختلفة:
حروف من الأبجدية الجورجية
حروف روسية مقلوبة بزاوية 180 درجة
وقام العلماء بـ قراءة استجابات الدماغ مباشرة أثناء ظهور هذه المحفزات، لقياس قدرة الأطفال على:
التمييز بين الحروف المألوفة وغير المألوفة
ملاحظة الأخطاء في اتجاه الحروف وشكلها
آليتان أساسيتان لتطوّر إدراك الحروف
كشفت نتائج الدراسة عن وجود آليتين مستقلتين في تطوّر الإدراك البصري للكتابة لدى الأطفال:
الضبط التقريبي (Coarse Tuning)
وهو القدرة على التمييز بين حروف الأبجدية الأم والحروف الأجنبية.
يظهر هذا النوع من الإدراك لدى الأطفال بعمر 3 سنوات
يكون موجودا حتى قبل تعلّم القراءة
يزداد قوة وتخصصا مع التقدّم في العمر
الضبط الاتجاهي (Orientation Tuning)
وهو القدرة على إدراك الاتجاه الصحيح للحرف (مثل التمييز بين الحرف الطبيعي والمقلوب).
لا يظهر هذا النوع إلا بعد بدء تعلّم القراءة
يتطوّر تدريجيا مع تحسّن مستوى القراءة والكتابة
تغيير جذري في فهم تطوّر مهارة القراءة
بحسب مؤلفي الدراسة، فإن هذه النتائج تغيّر النظرة التقليدية حول توقيت بدء تشكّل الأساس العصبي لمهارة القراءة. إذ يتضح أن دماغ الطفل يبدأ التحضير للقراءة قبل التعليم الرسمي، من خلال بناء تصنيفات بصرية للحروف.
تطبيقات عملية واعدة
تحمل نتائج هذا البحث أهمية كبيرة على المستوى التطبيقي، حيث يمكن الاستفادة منها في:
الكشف المبكر عن خطر الإصابة بعُسر القراءة (الديسلكسيا)
تشخيص الأطفال الذين لا يستطيعون بعد الخضوع للاختبارات التقليدية
تقييم فعالية البرامج التعليمية عبر متابعة تطوّر معالجة الحروف في الدماغ
تطوير مناهج تعليمية مخصصة لمرحلة ما قبل المدرسة
خطوة جديدة نحو تعليم أكثر ذكاءً
يساهم هذا الاكتشاف في فتح آفاق جديدة لفهم كيفية تعلّم الأطفال، ويمنح المعلمين والمتخصصين أدوات علمية دقيقة لدعم تطوّر مهارات القراءة منذ السنوات الأولى من العمر.