دراسة علمية تشرح أسباب احمرار الوجه ودوره الاجتماعي
دراسات و أبحاث
دراسة علمية تشرح أسباب احمرار الوجه ودوره الاجتماعي
30 كانون الأول 2025 , 14:29 م

يشعر معظم الناس بتجربة مألوفة: موقف محرج، ثم إحساس مفاجئ بالدفء يبدأ من الرقبة ويصعد إلى الخدين، ومع كل تفكير في الأمر يزداد الاحمرار وضوحا. وإذا سأل أحدهم: «هل تحمر خجلا؟» فإن الأمر يزداد سوءا.

قد يبدو احمرار الوجه عقابا إضافيا في لحظات الإحراج، لكن الأبحاث العلمية في علم النفس والتطور تشير إلى أن هذه الاستجابة اللاإرادية قد تحمل فوائد اجتماعية حقيقية.

ما هو احمرار الوجه (Blushing)؟

احمرار الوجه هو استجابة جسدية مرئية تحدث عند الشعور بمشاعر مثل:

الخجل

الإحراج

التهيب الاجتماعي

الوعي المفرط بالذات

وينتج هذا الاحمرار عن زيادة مفاجئة في تدفق الدم إلى مناطق معينة من الجسم، مثل:

الوجه

الأذنين

الرقبة

أعلى الصدر

ما الذي يحدث في الجسم عند الاحمرار؟

عندما تثير المشاعر إحمرار الوجه، ينشط الجهاز العصبي السمبثاوي المسؤول عن الوظائف اللاإرادية في الجسم، ويُفرز هرمون الأدرينالين (الإبينفرين).

وعلى عكس تأثيره في باقي الجسم، حيث يضيّق الأوعية الدموية، فإن الأدرينالين في الوجه يؤدي إلى توسّع الأوعية الدموية الدقيقة، مما يسمح بتدفق كمية أكبر من الدم قرب سطح الجلد، فيظهر الاحمرار ويشعر الشخص بالحرارة.

هل يختلف الاحمرار حسب لون البشرة؟

يظهر الاحمرار بشكل أوضح لدى أصحاب البشرة الفاتحة.

قد يكون أقل وضوحا أو غير مرئي لدى أصحاب البشرة الداكنة.

لكن في جميع الحالات، تحدث العملية الفسيولوجية نفسها، ويشعر الجميع تقريبا بالإحساس بالدفء أو الوخز في الوجه، حتى لو لم يكن الاحمرار مرئيا للآخرين.

الدور الاجتماعي لاحمرار الوجه

يظهر احمرار الوجه عادة في مواقف يتعرض فيها الشخص إلى اهتمام اجتماعي غير مرغوب فيه، مثل ارتكاب خطأ أو لفت الانتباه بشكل مفاجئ.

ورغم ارتباطه بجهاز «الكرّ أو الفرّ»، فإن الاحمرار لا يهدف إلى مواجهة خطر جسدي، بل يُعتقد أنه تطور ليكون إشارة اجتماعية غير لفظية.

كيف يفيدنا اجتماعيا؟

يرى العلماء أن احمرار الوجه:

يشير إلى الاعتراف بالخطأ

يعكس الصدق والإخلاص

يعمل كنوع من الاعتذار غير اللفظي

يساعد في إعادة بناء الثقة والحفاظ على الروابط الاجتماعية بعد الزلات

وبما أن الاحمرار استجابة لا إرادية، فإن الآخرين غالبا ما يفسرونه على أنه علامة صادقة.

هل تختلف أسباب الاحمرار حسب المشاعر؟

نعم، فآلية الاحمرار واحدة، لكن الدوافع النفسية تختلف:

الاحمرار بسبب الغضب: ناتج عن الإثارة والتوتر

الاحمرار بسبب الخجل: مرتبط بالوعي بالذات والمشاعر الاجتماعية

كما يختلف سبب الاحمرار من شخص لآخر.

دراسة علمية على الأطفال

وجدت دراسة أن الأطفال الذين يعانون من القلق الاجتماعي يحمرون خجلا عند تلقي مديح مبالغ فيه مقارنة بالمديح المعتدل أو غيابه.

وفي دراسة لاحقة، تبين أن الأطفال ذوي السمات النرجسية (تضخيم الذات، الحاجة للإعجاب، ضعف التعاطف) يحمرون فقط عند تلقي مديح معتدل، لأن المديح المبالغ فيه لا يتوافق مع تقييمهم المرتفع لأدائهم.

من هم الأكثر عرضة لاحمرار الوجه؟

تشير الأبحاث إلى أن:

النساء أكثر عرضة لاحمرار الوجه

الشباب وصغار السن يحمرون أكثر من كبار السن

الأشخاص المصابون بـ القلق الاجتماعي أكثر عرضة لهذه الاستجابة

ومع التقدم في العمر واكتساب الخبرة الحياتية، يقل الاحمرار، ربما بسبب:

زيادة التعود على الأعراف الاجتماعية

أو انخفاض الحساسية تجاه الأخطاء الاجتماعية

احمرار الوجه والحالات الطبية

أحيانًا يُخلط بين احمرار الوجه الطبيعي وحالات طبية أخرى، مثل:

الوردية

التهاب الجلد التماسي التحسسي

التفاعلات الدوائية

الذئبة الحمراء (مرض مناعي مزمن)

ويُطلق على الاحمرار المستمر اسم الحمامى الوجهية، وهو يختلف عن الاحمرار العاطفي المؤقت.

هل تحمر الحيوانات أيضا؟

نعم، فبعض الرئيسيات تمتلك جلدا وجهيا فاتحا يسمح بظهور الاحمرار، مثل:

قرود المكاك اليابانية

قرود الواكاري الصلعاء

الاحمرار والخصوبة عند الحيوانات

في قردة الماندريل، يتغير لون وجه الأنثى إلى الأحمر الزاهي خلال مرحلة الخصوبة من دورتها الشهرية، في إشارة واضحة للجاهزية الإنجابية.

أما الذكور، فيزداد احمرار وجوههم عند وجود إناث خصبة، نتيجة ارتفاع هرمون التستوستيرون.

المكياج واحمرار الوجه: رابط تطوري؟

يرى الباحثون أن اتجاهات المكياج الحديثة، مثل الاستخدام المكثف لأحمر الخدود، قد تعكس – بوعي أو دون وعي – إشارات جاذبية وخصوبة مشابهة لما يحدث في عالم الحيوان.

وتنتشر هذه الظاهرة على منصات مثل تيك توك وإنستغرام، مع وسمات مثل:

#Blushaholics

#BlushBlindness

كما يُلاحظ استخدام أحمر الخدود بكثافة في فرق الكيبوب، لدى الذكور والإناث على حد سواء.

متى يجب طلب المساعدة الطبية؟

بما أن احمرار الوجه استجابة لا إرادية، لا يمكن إيقافه عند حدوثه. لكن يُنصح بمراجعة الطبيب في الحالات التالية:

استمرار الاحمرار لأيام

وجود ألم أو انزعاج

تأثيره السلبي على الحالة النفسية أو المظهر

خيارات العلاج

العلاج السلوكي المعرفي: مفيد لحالات القلق الاجتماعي

التدخل الجراحي (نادر): في حالات فرط نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي

وتشير الدراسات إلى أن هذه الجراحات قد تحسن جودة الحياة لدى الحالات الشديدة.

في معظم الحالات، لا يتطلب احمرار الوجه أي تدخل طبي. ورغم الإحراج الذي قد يسببه، إلا أنه قد يكون أداة اجتماعية طبيعية تعكس صدق المشاعر وتُظهر إنسانيتنا، وتساعدنا على فهم علاقتنا بأنفسنا وبالآخرين.