عبد الحميد كناكري خوجة: حين تتنكر الديموقراطية: من إسطورة الإصلاح إلى أنظمة الأوليغارشية والكليتوقراطية والتكنوقراطية.
مقالات
عبد الحميد كناكري خوجة: حين تتنكر الديموقراطية: من إسطورة الإصلاح إلى أنظمة الأوليغارشية والكليتوقراطية والتكنوقراطية.


”من إدارة الوهم وشرعنة السيطرة إلى إخضاع الإرادة العامة باسم التنظيم والكفاءة، بين خطاب الإنقاذ وتقنيات الإخضاع الناعم".

ليست الديموقراطية في تجلياتها المعاصرة، وعدا بريئا كما تقدم في الخطاب الرسمي، بل غالبا ما تتحول إلى قناع ناعم لهيمنة خشنة، تدار بعقل بيروقراطي يتقن تسويق الوهم أكثر مما ينتج الإصلاح. فحين تختزل الإرادة الشعبية في اجراءات، وتفرغ المشاركة من معناها، ينزلق المشروع من أفق التعبير إلى إدارة الركود، ومن خطاب الإنقاذ إلى تقنين السيطرة، عندها لايعود السؤال: من يحكم؟ بل كيف يدار الحكم, وبأي أدوات رمزية تشرعن السلطة نفسها، حتى يغدو القناع نظاما، ويستبدل الحلم الجمعي بمنظومة تحسن التنظيم وتفشل في العدالة.

” هنا يجب كشف الأقنعة، فضح الوهم، مواجهة الهيمنة قبل فوات الأوان".

في ظل تمدد منظومة الهيمنة المركبة، حيث يعمل العقل الإمبريالي المقنع عبر شبكة النفوذ العابرة للدول، تدار الجغرافيا بمنطق المركز العابر للحدود، وتعاد صياغة المجتمعات وفق الهندسة الكونية للسلب والنهب التي يقودها المركز المالي_ العسكري العالمي. هنا يتقدم الطغيان المعولم بثوب أخلاقي زائف، مستندا إلى التحالف الإمبراطوري الوظيفي و المنظومة فوق_ الدولتية، لتحويل الدول خصيصا منها المستهدفة إلى ساحات اختبار، وتفريغ السيادة لصالح المنظومة الاحتكارية المهيمنة، أو ما يمكن توصيفه ب الطاغوت العابر للأوطان حيث يتلاقى تحالف الإفساد والنهب مع قوى الإستعلاء المنفلت لإنتاج واقع مشوه، تستبدل فيه الدولة الوطنية الممانعة المستهدفة بوظيفة، وتختزل فيه الإرادة الشعبية ضمن خرائط نفوذ تدار من خارج التاريخ و المكان.

وحين تستبدل السيادة بالشعارات، تهندس الفوضى الخلاقة بأقنعة الإصلاح، تتحول الديموقراطية المؤدلجة إلى بوابة نهب مقنع.

مشروع الكتلة المتوحشة المتمثلة بالطاغوتين الأكبر والأصغر العابرة للقارات. حيث لاتتحرك تلك الكتلة بعشوائية أو انفعال، بل وفق جينالوجيا هيمنة دقيقة: صنع سرديات أخلاقية، دعم وكلاء محليين، إعادة هندسة النخب، ثم تبرير التدخلات السياسية و الإقتصادية، وأحيانا العسكرية، بذريعة ”تحرير الشعوب". وفي العمق تدار الجغرافيا كأصل استثماري، وتختزل الدولة الوطنية إلى كيان هش قابل للإدارة الخارجية، ضمن منطق الرأسمالية المتوحشة العابرة للقارات.

الدول المحورية الممانعة، التي رفضت الركوع للميتافيزيقيا المتمثلة بحكومتي الطاغوتين الأكبر والأصغر وما يدور في فلكهما من حكومات منافقة، وضعت استقلالها الاستراتيجي فوق الإغراءات، أدجت تلقائيا تحت دائرة الاستهداف: حصار نفسي، ضغط اقتصادي، تشويه إعلامي، وتطويق سياسي متعدد الأدوات. في المقابل، تكافأ الدول الخاضعة بتسهيلات مشروطة، وقروض مسمومة، وامتيازات ظاهرها تنمية وباطنها ارتهان. وهنا يتجلى جوهر الصراع: ليس صراع قيم أو شعارات، بل صراع على الموارد الجيوستراتيجية، من النفط والغاز إلى المعادن الثمينة والنادرة ذات الأهمية العسكرية_ التكنولوجية.

في هذا السياق، تبرز تجارب صلبة استطاعت الحفاظ على الإدارة السيادية رغم العقوبات والحروب الناعمة والخشنة، عبر وعي شعبي، وتنظيم داخلي، واستقلال القرار. كما أدركت شعوب يقظة أن الديموقراطية المستوردة ليست سوى أداة اختراق ناعمة، فتصدت لها بصمود واع يحمي مواردها الوطنية من النهب المنظم.

إن القوة الحقيقية لاتنبع من صناديق اقتراع مدارة من الأجهزة الاستخباراتية لحكومة الطاغوت الأكبر ومن دار في فلكه، بل من وعي الشعوب، وتماسكها الداخلي، وتقارب مواقفها الوطنية. فالتحالفات الشعبية المستقلة تشكل سدا منيعا أمام مشاريع إعادة هندسة الحكم. وبين ترميز محسوب، يبقى الأمل قائما في لحظة صحوة، حين يعود الوكيل إلى ضميره وإرادة شعب وضع فيه الثقة العمياء، حيث سينقلب في المكان والزمان المناسبين وبذكاء وحكمة ودهاء، على مغتصب الأرض والعرض وإن استغرق ذلك بعض الوقت.

ومن خلال مقالي هذا، تتجدد الدعوة إلى الوحدة، واليقظة، ونبذ الفتن، صونا للسيادة، واستثمارا للموارد لصالح الأمة لا لصالح الغزاة.

تحية للأحرار الرافضين للركوع والخنوع، وبالأخص لشعب بلد الحضارات الضاربة جذوره عميقا في التاريخ. ولقيادته الرشيدة ولحرسه الثوري المنيع، رمز الصمود والتصدي في وجه الهيمنة والأطماع والإستكبار. ولكل حركات النضال المحق ضد المشروع الإستكباري العدائي الطامع بثروات وخيرات أمتنا

ولكل من وقف مؤازرا لقدس الأقداس ومسرى الإسراء والمعراج، ومهد يسوع المسيح إبن مريم عليه وأمه خيرة نساء العالمين السلام.

مفكر كاتب حر، فنان خط مستقيم وإعلامي سوري سابق في الغربة.