”مخاطر وتراجيديات آفة التوغل والتغلغل الصهيوني في القارة السمراء".
أكتب هذا المقال لا من باب التهويل ولا بدافع الإصطفاف الإنفعالي، بل انطلاقا من مسؤولية التحسيس حين بصبح الصمت ضربا من التغافل، وحين يغدو تجاوز المؤشرات المبكرة خطأ في التقدير لايغتفر. فالكتابة في مفاصل الحدث الجيوسياسي، ليست ترفا لغويا، بل أداة إنذار، وليست موقفا عاطفيا، بل قراءة مسار واستشراف مآل. وما تشهده القارة السمراء اليوم يفرض يقظة عقلانية تقدم الوقاية على الندم، والبصيرة على ردة الفعل.
” تشخيص المشهد"
إفريقيا، بما تختزنه من ثروات طبيعية، وتنوع بيئي، ومواقع إستراتيجية حساسة، لم تعد ساحة تنافس عابر، بل فضاء لاختراقات ناعمة تتخفى خلف عناوين الشراكة والاستثمار والأمن. إن آفة التوغل والتغلغل لكيان العقيدة الإجرامية العابرة للأخلاق ودولة المنظومة السرطانية الاستعمارية تتحرك بهدوء محسوب، تراكم النفوذ عبر الاقتصاد، وتعيد تشكيل الأولويات عبر البوابات الأمنية، وتنسج علاقات تفضي تدريجيا إلى اختلالات عميقة في القرار السيادي.
ويتضاعف الخطر تدريجيا حين يمتد هذا المسار ليطال دول ممانعة، كاليمن الشقيق، أو حين يستثمر في خرائط اعترافات ملتبسة، كما في ملف ما تسمى دولة الصومال التي اعترف بها رئيس وزراء هذا الكيان بنيامين نتن ياهو...
المسألة لاتتعلق بحدث منفصل، بل بمنظومة متكاملة الأركان: استنزاف منظم للثروات عبث بالممرات الحيوية، توظيف للفساد بأشكاله الاقتصادية الأمنية القيمية، وتطبيع مقنع يفرغ المجتمعات من مناعتها الداخلية. إنه تمدد أخطبوطي يمسك بمفاصل القرار، ويحول التنمية إلى أداة هيمنة، ويعيد هندسة الوعي العام بما يخدم مصالح ضيقة. ومع كل خطوة، يتآكل هامش الاستقلال، وتتسع دوائر الارتهان، ويعاد تعريف الصداقة على حساب السيادة.
المطلوب اليوم ليس خطاب مواجهة عاطفي، بل بناء مناعة جماعية واعية. إن توحد الشعوب الإفريقية جنوبا وشمالا، وتكاملها مع دول إفريقيا الشمالية، يشكل قارب النجاة الحقيقي لإطفاء حريق التوغل قبل استفحاله. فباليقظة والحذر الاستباقي، وتبادل الخبرات، وصون القرار المستقل، يمكن درء هذا الخطر الزاحف. والتاريخ يعلمنا أن من يقرا التهديد مبكرا، ينقذ الغريق قبل أن تبتلعه العاصفة، ويطفئ الحريق قبل أن يأتي على الأخضر واليابس.
مفكر وكاتب حر في الغربة.