”حين يتحول التدين عند أحدهم في دول أبراجها شاهقة، يتقدم الصمت بثياب الحكمة المزعومة".
لا أكتب من مقام الواعظ المتعالي، ولا من شرفة الاتهام المجاني، بل من ضمير الكلمة حين تضيق بها الصدور، ومن أخلاق السؤال حين يصبح الصمت شريكا في الفعل. فاللغة المسؤولة لا تجرح بل تكشف وتذكر، ولا تسقط بل تقيم الميزان. وأخطر ما يواجه القيم ليس العداء الصريح، بل التواطؤ الصامت، وليس الفجور المعلن، بل الورع الشكلي حين يتحول إلى قناع.
في زمن تتجاوز فيه المآذن الشاهقة تحيطها رمال ذهبية ومناظر خلابة تتعانق مع أبراج باسقة مزينة بزجاج ملون بهي، متماهية مع كراسي مبهرة، يطفو سؤال الجوهر لا المظهر، والفعل لا الشعارات. فليس كل من تزين بلباس الورع، أو تكلم بلسان التقوى، قد أدى حق القيم التي ينتسب إليها. إن الصورة قد تلمع، غير أن الإمتحان الحقيقي يسكن في لحظة الموقف.
عرف التاريخ_ قديمه وحديقة_ نمطا من التدين الوظيفي؛ حيث تختزل الأخلاق في طقوس، وتحول القيم إلى ديكور خطاب، وتعلق الأسئلة الكبرى على شماعة ”التعقيد" و”الحكمة" و”تقدير المصالح". غير أن الحكمة، إذا فرغت من بعدها الأخلاقي، غدت حذرا مفرطا، بل صمتا مريحا يطلب السلامة لا العدالة والإنصاف.
وما يثير القلق ليس غياب الصوت فحسب، بل تزامنه مع تدفق ثروات هائلة إلى مراكز قرار عالمية، حيث تعاد هندستها نفوذا، وتستثمر في معادلات لا ترى في الإنسان إلا رقما، ولا في الأرض إلا ملفا.
هناك، يصبح الصمت_ من غير تصريح_ شريكا في تدوير المشهد، لا في صناعته فقط.
( ولاتركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار).
فالركون ليس فعلا عسكريا، بل انزلاق أخلاقي يبدأ بالصمت وينتهي بالتبرير. والسكوت عن الجرح ليس حيادا، بل ضمادا مؤقتا يؤجل النزيف.
لسنا أمام صراع شعائر بل امتحان ضمائر.
فالدين في جوهره موقف قبل أن يكون مظهرا، واستقامة قبل أن يكون شعارا.
وقد قال الحق سبحانه:
( واذا قلتم فاعدلوا)
فالإنصاف كلمة، وموقف، وجرأة محسوبة، لا اندفاعا ولا مواربة.
والتعاون الحق ليس مشاركة مباشرة فحسب، بل أمتناعا واعيا عن الوقوف في المنطقة الرمادية حين يطلب الوضوح:
( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). ومن أدب الإنصاف، بل من الوفاء الأخلاقي، أن تجل الصورة كاملة؛ فثمة دول وشعوب، عربية وغير عربية، اختارات_ رغم الضغوط_ أن تقف مع الحق وأهله، وتحق الحق متوكلة على الحق سبحانه. وأن تحترم القانون الدولي، وأن ترفض ازدواجية المعايير، وأن تنحاز لكرامة الإنسان حيث انتهكت. لهؤلاء يقال: إن موقفكم ليس تفصيلا، بل ركيزة توازن أخلاقي في عالم مضطرب. وبصراحة وبكسر الترميز والتشفير قليلا؛ سلاما على بلد دافع عن راية الإسلام وعن حرمة القرآن وعن قدسية قدس الأقداس بكل ماأوتى من استطاعة على رغم الصامتين كصمت أصحاب اللحود. سلام لبلد جعل مناسبة تكريم لبيوت الله ” يوم المسجد العالمي ".
سلام لبلد أحيا ويحي اللغة العربية ” لسان الوحي والبيان", سلام لبلد لم يجعل كتاب الله العظيم ”القرآن" كتابا مهجورا، سلام لبلد يقتدي بآل بيت سيد السادات النبي الأعظم ”ص" الأطهار الذين نثني عليهم في صلواتنا الخمسة والأنفال وانتقى الأصحاب الأخيار، سلام لبلد يكرم ويحي ذكر جميع الأنبياء و المرسلين. وقدم سلسلة مسلسلات وأفلام تربعت على عروش المراكز العالمية تكرم وتقص نبأ الأنبياء، كا يوسف وغيره من أنبياء ومرسلين، سلام على بلد كرم السيدة مريم البتول واحدة من خيرة نساء العالمين، سلام على بلد وقف مع مسلمي الأرض متحديا الصعاب والحصار والمضايقات. سلام على بلد رفض الإنصياع لمصالح الهيمنة والإستغلال والأطماع في ثرواته حافظا لكرامة لشعبه العظيم، وحضارته العتيقة العريقة، سلام على بلد لا زال يطالب بوحدة ورص صفوف عالمنا الإسلامي والحوار الطيب بين جميع المذاهب الإسلامية ونبذ أي خلاف أو فرقة. سلام على بلد أعطى للعالم أجمع عقولا وأمخاخا وأدمغة نيرة كان لها الفضل على تقدم البشرية.
سلام على بلد يستضيف مرتلي ومجودي القرآن العظيم من شتى بقاع العالم ويكرم الفائزين منهم، سلام على بلد شامخ كالقلاع الفولاذية وقمم الجبال العالية. سلام على بلد قال: وبالصوت الجهوري العريض لقوى الإستكبار” لا" للظلم لا...ولا...ولا..
سلام على بلد تعلقت به عشرات ملايين الأفئدة عشقا لمواقفه الساطعة الناصعة_ المشرقة المشرفة.
والحق يقال ومن لايشكر الناس على حسن مواقفها، لا يشكر الله سبحانه.
وتوقفا لحريتي في جولتي هذه مع السادة القراء.
أختمها بدائرة ضوء ونصيحة ودية دون تجريح:
إلى البعض من أولئك السادة المتربعين على كراسي ناصعة للناظرين، وتحت أضواء لامعة: ليست رسالتي إسقاطية، بل دعوة مراجعة. فالمكانة امتحان، والنعمة مسؤولية، والصمت_ حين يطول_ يتحول من حكمة إلى عبء. أعيدوا للجوهر مكانه؛ فالمظهر أيها السادة زائل، والإنصاف وحده يبقى.
لابد من إنصاف الحق والكرامة، واحترام القانون الدولي، ورفض ازدواجية المعايير، ربما بسبب خوف بعضكم على أمور دنيوية لن تدوم.
ومابين ناسك في الصورة وناكس في الجوهر، يبقى الميزان واحدا: أين كنا حين كان الصمت شراكة في الظلم والعدوان، والكلمة أمانة، والموقف الأخلاقي كلفة لاينهض بها إلا الشجعان.
مفكر كاتب حر، فنان وطني شامل وإعلامي سابق في الغربة.