كتب حليم خاتون:
بين جمهورية الطائف، ومَلَكية دستورية، على الأقل، يكون لدينا دستور, بعد كل ما حصل ويحصل في لبنان، تبين أننا نعيش في غابة يحب البعض إطلاق صفة جمهورية الطائف عليها.
نحن في الحقيقة، نعيش في مَلَكية مُطلقة لا تخضع لأية قوانين,
القوانين المكتوبة التي يدرسها طلاب كليات الحقوق تختص فقط ببعض العامة ممن ليس لديهم حظوة في هذا البلد.
إن كل من تابع برنامج عماد مرمل على المنار ليلة أمس مع الدكتور حسن خليل، لا بد أن يخرج بهذه الخلاصة, الفرق الوحيد، ربما، بين لبنان ومملكات القرون الوسطى، هو أنّ تلك المملكات كانت أكثر تنظيماً من مملكتنا اللبنانية.
في القرون الوسطى كانت الأرستقراطيات تتنافس فيما بينها، وفي النهاية تختار ملكاً واحداً على الجميع، من بين أقوى هذه العائلات, في مملكتنا اللبنانية، نخضع لمجموعة من الملوك غيرالمتوّجين,
لو سألت أي لبناني أن يُسميَ ستة أو سبعة أسماء من مجموعة الملوك هذه، لكرّ هذه الأسماء دون أي صعوبة, قد يختلف اللبنانيون في اسم أو اثنين، ولكنهم بالتأكيد سوف يتلاقون في تسمية أربعةٍ أو خمسة، من هذه المجموعة, ما لا يعرفه اللبنانيون هو أنَّ في لبنان مجلسَ ملوك.
لقد مرّ في تاريخ بعض البلدان ولايزال، مجلس رئاسة بالتناوب, في لبنان، نحن وجدنا نسختنا الخاصة التي تناسب مجتمع العبيد "المتنورين"، أو "المثقفين"، حيث أنَّ اللبنانيّ، مع كل الجهل الذي يختزنه، يُصِرُّ دوماً على أنّه أعلى منزلةً من بقية الحضارات.. نسختنا قريبة جداً من مجلس الملة الأفغاني.
نحن لدينا مجلس ملوك الطوائف من جهة، هم طائفيون، مذهبيون، تماماً كما تريدهم طوائفهم أن يكونوا؛ ومن جهةٍ أخرى، هم متنورون، منفتحون كما تريدهم منظومة النهب العالمية أن يكونوا,
رأس هذا المجلس قد يكون أي واحد منهم، وهذا يعتمد على الظروف,.في الأمس، ومباشرة بعد الطائف، كان رأس المجلس سُنِّياً، يعاونه بقية ملوك الطوائف بين الحين والآخر، وفي أوقات الشدّة، كان يقفز الملك الشيعي إلى المقدمة لضبط الأمور، قبل أن تفلت كثيراً ما انتظر منه بقيّة الملوك إخراج أرنب هنا، أو أرنب هناك، لتأمين استمرارية الحكم من خلال هذا المجلس.
أمس، فوجىء اللبنانيون بأن هذا المجلس الموّقر، كان يحتاج دوماً إلى مايسترو, كان المجلس يظن أنه هو السلطة العليا وأنّ المايسترو ليس سوى موظف يدير المال في بيت المال.
حدثني أحد التجار مرة عن حادثةٍ طريفةٍ حدثت معه, لقد كان صاحبنا يستورد الأغطية الشتوية (الحرامات) من إسبانيا, وكما يحصل في جميع أنحاء العالم، في عالم رجال الأعمال، هناك دوماً دفتران, التاجر اللبناني، كان يطلب فاتورة قليلة ليدفع جمركاً أقل والمُورّد الإسبانيّ، يهمّه أخذ جزء كبير من الربح خارج الفاتورة، كي لا يدفع ضرائب عالية, (على فكرة،هذاأحدالأسباب المهمة لنجاح القطاع الخاص دائماً، بينما القطاع العام يخرج دائماً خاسرا).
المهم في القصة، أنّ صاحبنا الإسباني كان يقوم بهذه العملية مع كل زبائنه في العالم, في أحد الأيام، وضع في مغلّف عشرة آلاف دولار مع تشيك نهاية الخدمة لرئيس قسم المحاسبة في شركته، ورسالة شكر وأمنيات بالتوفيق.
في اليوم التالي، جاء الموظف نفسه، أي رئيس قسم المحاسبة ومعه ملفّ ضخم مع آلاف النسخ عن الفواتير الحقيقية وتلك التي كانت تُقدّم إلى مصلحة الضرائب.
شكر ربّ العمل بحرارة على العشرة آلاف دولار الهدية، ثم أخرج ورقة حساب تبين أن رجل الأعمال الإسباني قد حقق أرباحاً غير مصرّح بها تفوق العشرة ملايين دولار؛ نظر إلى ربّ عمله السابق بابتسامة، وطلب فقط ١٠ بالمئة من هذه الملايين العشرة، وإلّا سوف يضطر للذهاب مع الأوراق والتسجيلات إلى مصلحة الضرائب.
لماذا هذه القصة؟, لأن هذا بالضبط ما فعله ملك الملوك، رياض سلامة.. رياض سلامة، فعل مع مجلس ملوك طوائف لبنان، بالضبط مافعله رئيس قسم المحاسبة المذكور أعلاه لا بل، إنّ رياض سلامة تفوّق على كل المحاسبين في العالم, هو بالتأكيد، قال لملوك الطوائف، أنا لدي ما يسمح بإعادة نصب مقصلة باريس، في وسط مدينة بيروت, وكما طار رأس لويس وماري انطوانيت، بالتأكيد سوف تطير رؤوسكم.
حين حُشر ملوك الطوائف في الزاوية مع شركة التدقيق الجنائي ألفاريز، لم يكن صعباً على الإطلاق إفهام من ينبغي، بلا جدوى المحاولة, الشركة لم تخرج فقط ب١٥٠٠٠٠ دولار، كما يتوهم بعضهم,.ليس صعباً على من وضع يده على أكثر من مئة مليار دولار من أموال المودعين، وأسهَمَ مساهمة فعالة غير مشكورة، في إفلاس البلد، أن يُرضي شركة بمليون دولار مثلا، و"حِلِّي عنّا".
في أحد البلاد الأفريقية، كما في كل العالم، تأتي لجان مراقبة الانتخابات، وتُقيم في أفخم الفنادق؛ تكتب التقارير على هوى ما يبغي الحاكم، ثم تتلقى المعلوم قبل الذهاب إلى المطار مع مرافقة أمنية, وفي اليوم التالي، تخرج التقارير التي تتحدث عن نزاهة الانتخابات، طبعاً إذا كان الحاكم من أهل البيت, مجلس ملوك الطوائف في لبنان يعرف هذا، وأراد فعل الشيء نفسه, لكن بعد البحث والتدقيق، تبين أمران:
أولاً، لا يوجد أي شركة تدقيق في العالم يُمكنها تغطية أهوال ما ارتُكبَ في لبنان.
ثانياً، الشعب اللبناني (...)، قلبه كبير، ولا يرضى الذلّ لملوكه.
بعد كل هذا، أليس الأفضل أن تكون لدينا مَلَكية دستورية، مع ملك واحد فقط، كما في إسبانيا، أو ملكة واحدة كما بريطانيا، "يسرقان" قليلاً، ولكن يدعان الشعب يعيش؟؟؟