كتب الأستاذ حليم خاتون:
منذ يومين، لا تنفك تصلني التأكيدات بحتمية الرّد الإيراني، تعليقا على مناداتي بالرد الفوري على استشهاد الدكتور زادة.
منذ يومين، والتحليلات في الصحف وعلى الشاشات لا تتوقف عن وصف الصبر والتصميم اللذان يُميًزا الشخصية الإيرانية.
لا أنكر أن بعض تلك التحليلات ذات قيمة سياسية وتحليلية عالية؛
لكن بعضها الآخر، من نوع الدفاع عن قرارات "القائد"، على قاعدة أن القيادة دائما على صواب.
مهمتنا، نحن جمهور المقاومة، هي كما هو موقف جمهور فريق كرة القدم، مع نفس زائد.
مع استعداد للدخول إلى الميدان والشهادة في أي لحظة يتطلبها الوضع.
جمهور كرة القدم يُحمًس
ويطلب من فريقه تسجيل الأهداف.
لكن الذي يلعب ويدير المباراة هو الفريق نفسه.
للفريق دوره في إدارة المباراة، وللجمهور دوره أيضا.
الجمهور قد يرى من فوق المدرّجات، ما لا يراه الفريق في داخل الملعب.
لا أحد ينكر صعوبة البناء وتراكم القوة عند محور المقاومة.
لكن أحدا، يجب أن لا يطلب من جمهور المقاومة أن يتميّز "بالواقعية السياسية"، "بالحكمة"، "بعدم المغامرة"...
في تاريخ الحركة النضالية الفلسطينية، تجارب كثيرة
لقيادات شابة، تخطّت الخط العام لحركة النضال وسجّلت صفحات بيضاء
حين أجبرت العدو الصهيوني على الإتشاح بالسواد.
ليس انتقاصا من القيادات التاريخية التي تقود المحور؛ وليس تشبيها لها بقيادات منظمة التحرير التي خذلت الشعب الفلسطيني، ولكن للتذكير فقط، أنه، وفي ظروف معيّنة، في زمن معيّن، تحتاج الثورات إلى بعض
"الجنون"؛
إلى شئ من "التهور"...
تحتاج المقاومة إلى "المغامرة".
كم تحتاج الساحة اليوم إلى قادة من نوع الدكتور وديع حدّاد، أو إلى عمليات يقوم بها شباب أبو حسن سلامة.
ربما لم يلاحظ كثيرون أن فعل المقاومة، وفعل كامل المحور، لم يرتق بعد إلى مستوى الفعل المُبادر.
نحن، شئنا أم أبينا، لا زلنا في مضمار ردات الأفعال على أفعال صهيونية أو أميركية أو غربية بشكل عام.
حتى أولئك الذين نود أن نراهم حلفاء، لا زالوا يتعاملون مع المحور وكأنهم يتعاملون مع طرف قد لا يمشي الطريق الى الأخير.
حتى صفة ردّة الفعل، تزيد عما يجب أن يوصف به الوضع فعلا.
ردة الفعل تعني أن تكون مُهيئا للرّد على الفعل فور حصوله.
ردّة الفعل تعني أن يكون عندك جهاز دائم، يعمل ٢٤ على ٢٤، و ٧ على ٧.
جهاز يدرس العدو، ويدرس كل الإحتمالات الممكنة؛ كل نوايا العدو الممكنة.
جهاز يكون لديه بنك أهداف لكل هذه الإحتمالات.
ما أن يقوم العدو بفعل ما، حتى يتم الرّد عليه في عملية مُنتقاة ومُخطط لها سلفا، ومحفوظة في بنك الأهداف.
أما ما يحدث الآن، ورغم أن الشهيد فخري كان في رأس قائمة الإستهدافات الصهيونية؛
ما يحدث الآن هو البدء... الآن... بالبحث والتقرير ودراسة الإحتمالات.
وإلى أن تصل إيران إلى قرار، يكون الصهاينة قد انتقلوا الى المرحلة اللاحقة.
بربكم، ألا يُذكًركم هذا بالعربان، أليس هذا من منهجية عدم السماح للعدو بتحديد زمان المعركة ومكانها.
يا إخوان، سئمنا.
نحن لسنا ضعافا، فلا تغرسوا فينا عقيدة الضعف.
أمس على المنار، وفي برنامج بانوراما، تبارى الضيوف في رفض "التهور" وفي المطالبة "بالحكمة".
تحدثوا طويلا عن حتمية الرّد، لكنه رد "ذكي".
على شاشة الميادين، لم تختلف الأمور كثيرا..
يا إخوان، يا حبايب.
العدو يشاهدكم ويستمع إليكم.
وبدل أن يرى مطالبة بقطع رؤوس التآمر والرد على الفعل بفعل يفوقه أضعافا مُضاعفة، يرى ويسمع تبريرات لا ترتقي إلى ربع ما كان بإمكان الشهيد الدكتور وديع حدّاد فعله.
تزرعون وهما اسمه انتظار مجيء بايدن؛
وهم عدم إغضاب أميركا؛ وهم عدم إعطاء اميركا، ذريعة....
بالله عليكم، نحن نتمنى أن تأتي أميركا، لكي نمرًغ أنف ترامب والترامبيين ببراز اطفالنا...
أحيانا تختلط علينا الصور.
فجأة لا نعود نرى وجه السيد أو المرشد، لا نعود نرى وجوه قادة يريدون الصلاة في الأقصى اليوم قبل الغد.
بدلا عن ذلك، نرى وجوه قيادات مترددة...
قيادات، لا تشبه العيون التي لا تخشى المخرز.
في ثمانينيات القرن الماضي،
خرج مقاومون حسينيون من بين الصفوف التي تخاذل الكثير منها، وهرب.
قيادات نظّرت لقتال الصهاينة سنين طويلة، حتى إذا ما جاء هؤلاء، ولّوا هم الأدبار...
خرج عُشاق الإستشهاد،
فنصحهم البعض "بالرويّة"
وعدم رمي الأنفس في "التهلكة".
لكنهم صمّموا.
رفعوا شعاراتهم التي لا تزال خفّاقة حتى يومنا هذا..
شعارات لا زالت حتى اليوم، تنير الطريق الى فلسطين..
يومها، كنت ماركسيا، فقرأت مقاومة إسلامية
ترفع شعارا، كان الأجدر بالماركسيين رفعه.
شعار حقق ما كان "أهل الحكمة وعدم التهور" يرونه مستحيلا.
"ليسوا أقوى من أمريكا،
ولسنا أضعف من فيتنام".
شعار بسيط، لكنه نقل الجهاد من مرحلة الإحباط إلى مرحلة،
"ولّى زمن الهزائم، وجاء زمن الإنتصارات"..
اليوم نقول،
عندنا شهداء من وزن سليماني وغيفارا غزة...
عندنا قادة ليسوا أقل من هوشي منه،
وعندهم ترامب، أحمق رؤساء أميركا على الإطلاق.
لذلك لن نخاف، حتى لو أتت اساطيلهم وحاملات طائراتهم،
لأننا فعلا.. لسنا أضعف من فيتنام...ولا نخاف.