كتب الاستاذ حليم خاتون: المصالحة الخليجية، وعودة التحالف الوهّابي الإخواني...
لم تكد تمر أسابيع على دخول ترامب إلى البيت الأبيض منذ أربع سنوات،
وزيارة ترامب إلى أراضي الجزيرة العربية المغلوب على أمرها، والتي انتهت بإفراغ خزائن المنطقة، وإرسال الغلّة إلى اميريكا،
حتى انفجر الخلاف الذي كان ظاهره انقسامًا بين معسكري الحرب على سوريا.
قطر وتركيا من جهة، والسعودية، الإمارات، والبحرين من جهة ثانية؛ رغم بقاء المايسترو الأميركي فوق الجميع.
المحور الأول هو محور الإخوان "المسلمين" الذين اتخذوا من اسطنمبول عاصمة لهم، والمحور الثاني، وهّابي، كانت الرياض وجدة دوما عاصمته.
وبفعل عداء عسكر مصر للإخوان، انضمت القاهرة إلى المحور الثاني.
هل كان مجيء ترامب صدفة؟
الكل يعرف أن الدولة العميقة في اميريكا، دولة وول ستريت المالية، الدولة التي جلبت أوباما إلى الرئاسة؛
هذه الدولة كان برنامجها تلزيم المنطقة العربية، بما فيها المسألة الفلسطينية، إلى تسوية إخوانية مع الكيان الصهيوني، ما جعل محمد مرسي يرسل رسالته الشهيرة إلى "صديقه" رئيس " دولة إسرائيل"، شيمون بيريز.
الدولة العميقة هذه، الراعية طبعا، هي أيضا، للكيان، رأت أن الخطر الصيني وصل إلى أبواب أميريكا.
ولكي تتفرغ هي لهذا الخطر الداهم، لا بد من تلزيم المنطقة إلى قوة حليفة وصديقة لأميريكا.
كانت المشكلة الفلسطينية عقبة في هذا المراد.
لم يكن كل العرب يومها، مستعدين الى التحالف مع إسرائيل، دون إيجاد حل للمسألة الفلسطينية.
لذلك كان الحل في إخراج التحالف التركي الصهيوني إلى العلن بعد تغيير وضع الأنظمة العربية الرافضة للهيمنة التركية.
كانت المنظومة الوهابية من أكثر الأنظمة العربية خضوعا، ليس فقط لأميركا، بل لإسرائيل أيضا.
رأت أميريكا أن الوهابيين لن يشكلّوا أي عائق...
"الوهابيون في الخُرج".
كان يجب تغيير بقية الأنظمة، حتى لو كانت حليفة، لأنها، وبعد سنين طويلة من التطبيع الرسمي، لم تستطع خلق تطبيع شعبي مع الكيان.
كما يبدو، تعهد أردوغان والإخوان بتخطي هذه المُعضلة، واستطاعوا جرّ خالد مشعل إلى هذه الرؤية.
لم يكن صعبا على أميركا،
تفجير الأوضاع القابلة أصلا للإنفجار في عالم عربي بائس يعيش في الفقر والجهل وضمن أفكار لا زالت تنتمي إلى العصر الحجري.
انفجرت الأوضاع في تونس ومصر حيث هذه الشعوب معادية للكيان، وحيث يتمتع الإخوان "المسلمون" المنظمون جدا،
بنوع من الشعبية القائمة على "تديّن غارق في الجهل والتخلّف".
لم تكن ليبيا أقل تخلفا فكريا، بفضل عقيد نرجسي حكمها بالحديد والنار، ويعتبر نفسه ظلّ الله على الأرض.
كذلك الأرياف السورية، حيث كانت قرى بأكملها لا زالت تعيش في بيوت طينية بلا تمديدات عصرية وفي فقر مادّي وفكري عمل الخليجيون فترة من الوقت على ملئه
بعقائد الكراهية سواء عند الوهابيين أو عند الإخوان
الذين لا زالوا حتى يومنا هذا يقدّسون ابو الدواعش،
ابن تيمية، وأكبر المنافقين،
أبو هريرة الذي فاق عدد الأحاديث النبوية التي نقلها الخمسة آلاف حديث،
وكأن هذا الرجل لم يفارق النبيّ ولا لحظة طيلة سنين الدعوة.
كان المفروض أن تسير الأمور كما تشاء دولة وول ستريت العميقة.
لكن التخطيط والنظريات شيء، والأرض والواقع شيء آخر.
عندما ساءت الأمور في ليبيا، استطاع الغرب استغباء الروس، وقام الفرنسيون وحلف الأطلسي بالتدخل المباشر للقضاء على العقيد المجنون، ووضع اليد على حوالي مئتي مليار دولار من احتياطات ليبيا في المصارف الغربية وأكثر من مئة طن من الذهب ونفس الكمية من الذهب، كان القذافي اشتراها لصّك
عملة "إفريقية"، أرادها بديلا عن الدولار واليورو.
كان للخديعة الغربية ضد روسيا في ليبيا وقعُها عند بوتين؛
لكن الذي جعل روسيا تدخل الحرب في سوريا، كان بلا أيّ أدنى شك، شجاعة وتصميم القيادة السورية، وتحديدا الرئيس بشار الأسد.
وفوجيء الجميع بتصميم الرئيس الذي أعلن أنه وعائلته لن يخرجوا من سوريا، وأنه سوف يقاتل حتى الشهادة في وقت كانت جحافل هولاكو الوهابي الإخواني تُطبق الحصار على العاصمة، وأصوات القصف تخيّم على قصر المهاجرين.
سوف يذكر التاريخ بكل تأكيد، أن موقف بشّار الأسد، هو الذي أتاح للروس والإيرانيين وحتى المقاومة على الدخول والإنتصار، وإنهاء المخطّط الأطلسي.
انتهت ولاية أوباما، والأوضاع في سوريا ليست على ما يرام للتحالف الوهابي الإخواني.
أرادت دولة وول ستريت
مجيء هيليري كلينتون،
التي تعهدت بإسقاط بشّار،
حتى لو اضطرت لإعادة السيناريو الليبي.
فوجئت دولة وول ستريت بنجاح مجنون من خارج السرب هو دونالد ترامب.
الفرق بين دولة وول ستريت ودونالد ترامب، لم يكن على دعم الكيان، بل على الأسس العقائدية لهذا الدعم.
دولة وول ستريت، دولة العولمة، كانت تنظر إلى الأمور من منطق سيادة أميركا على اتباع عملاء، لهم بعض الإمتيازات مثل تركيا حتى لو كانت إسرائيل اولوية.
دونالد ترامب ينظر إلى سيادة عقائدية صهيونية (أميركية إسرائيلية) على اتباع من العبيد.
أراد ترامب إنهاء الإمتيازات الإخوانية.
سُرّ لذلك الوهابيون.
هزيمة التحالف الأطلسي في سوريا تسبب بانكسار هذا التحالف وانقسامه إلى
المحورين إياهما.
اليوم يعود بايدن ليكمل المشروع الأساسي لأوباما ودولة وول ستريت.
هو يريد إعادة تلزيم المنطقة إلى تحالف اتباع اميركا وإسرائيل.
مشكلته الدائمة سوف تكون إيجاد صيغة للأكراد في سوريا بسبب التحفظ التركي.
فجأة أرادوا علاقات تركية سعودية.
فجأة عاد الدفء إلى مبادرات الصلح بين قطر والسعودية.
حكومة وول ستريت براغماتية.
يجب إعادة تحييد إيران عبر تقييدها بالإتفاق النووي.
في سوريا، ممكن الحفاظ على الستاتيكو القائم، طالما موازين القوى يفرض هذا الوضع.
بايدن سوف يطلب من إيران تنازلات.
على الأرجح، إيران لن تقبل.
لن تُحلّ المشاكل.
لكن بايدن يعرف جيدا أن تفجير الأوضاع سوف يؤدي إلى أوضاع أسوأ بكثير لأمريكا وإسرائيل على حد سواء.
لذلك سوف يحرص على إيجاد صيغة لتحييد إيران، حتى لو تشدّدت طهران.
حماقة ترامب منعته من رؤية كل هذا.
أما اغتيال فخري زادة، فقد كان حاجة داخلية لنتنياهو لمنع حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مُبكرة.
اغتيال زادة ضربة معنوية لإيران بالتأكيد.
لكن القطار الإيراني انطلق ومنذ زمن طويل، ومن المستحيل إيقافه أو فرملته.
لا بل العكس صحيح.
إيران، عكس الأعراب، كلما ضغطوها، كلما زادت تمردا.
الأكيد أن أحدا ما في إيران سوف يدفع ثمن ما حصل.
سواءً مع سليماني أو مع فخري زادة.
الأرجح أن يكون هذا الأحد، التيار الإصلاحي في الإنتخابات القادمة.
هل سوف ينجح التيار الإصلاحي بتأجيل الرد الإيراني، والى متى؟
مصلحة الأمّة هو في تشدّد إيران.
ومصلحة إيران هو في تشدّد إيران.
والتشدّد يعني الردّ.
متى؟
كلّما بَعُد الرد، ضَعُف موقف طهران.
لذلك، الردّ آت، وأسرع ممّا يتصور البعض.