كتب الأستاذ حليم خاتون:
إنه الرجل نفسه: تركي الفيصل، الذي قاد، مع انور عشقي، كل حركة التطبيع السعودي مع الكيان، حتى قبل أن يكون للعتيبي أي دور؛ الحركة التي سمحت وشجّعت الإمارات والبحرين والسودان على السير في طريق خيانة الأقصى.
فجأة، تذكّر تركي الفيصل جرائم الكيان بحق الفلسطينيين...
هل يُمكن لضمير ميت أن يُبعث من رماد؟
أن يصبح الضمير والإنسانية والأخوّة والعروبة... مقياساً، ومنارةً للسياسة السعودية؟
هو بالتأكيد أصعب بأضعاف مضاعفة، من إعادة الروح إلى جسد، بعد سنين من الوفاة.
ما الأمر إذاً؟
وكيف نفهم المواقف السعودية الجديدة؟
هل رجع العقل إلى رأس محمد بن سلمان بعد طول غياب؟
لم تكن السعودية في يوم من الأيام تتمتع بأي حسّ وطني، لا تجاه فلسطين ولا في تجاه أي بلد عربي آخر.
نعم، كانت السعودية تختبئ دوماً خلف قناعٍ سميكٍ من التظاهر بالرصانة، بينما تُحيك المؤامرات ضد كل ما هو قومي أو تحرري وعدالة.
رأينا هذا دوماً في اليمن؛ رأيناه أيضا ضد عبدالناصر،في عقدي النهضة المصرية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، كما رأيناه أيضاً في التآمر على العراق وسوريا،
ناهيك عن معاداة الجمهورية الإسلامية والنزوع الشوفيني ضد كل ما هو فارسي، بعد أن كانت السعودية صديق الشاه الأول في المنطقة، بغض النظر عن فارسيته.
لم يطل الهدى والرشد السياسة السعودية تجاه فلسطين فقط؛ بل وصل إلى الحديث عن عدم معارضة الاتفاق النووي!!
إنّ كل المطلوب هو ضمانات تريدها مملكة الرمال تلك، فقط ... ضمانات!!
هل يدعو هذا الموقف "الجديد" إلى أي التباس؟
السُّذَّجُ فقط، يُمكن أن يروا في الموقف السعودي، خلال مؤتمر المنامة شيئاً من الوطنية أو موقفَ ندامة!
إنّ مملكة الرمال هذه، طالما حكمها إما"أشباهُ رجال"، منهم محمد ابن سلمان، أو بعضٌ من رجالٍ كان كل همّهم محاربة حركات التحرر العربية والعالمية، كما فعل فيصل بن عبد العزيز.
إذاً، كيف يمكن فهم ما قاله تركي الفيصل في المنامة؟
تعتبر السعودية نفسها "دولة" ذات وزن، لمجرد كونها أكبر دول شبه الجزيرة العربية، بالرغم من افتقار هذه الدولة لكل المقومات الضرورية لبناء دولة مؤسسات.
لقد تميز المشرق العربي بوجود ثلاث دول عندها مقومات قيام دولة، سواء تاريخيا، أو حضاريا، هي
مصر، سوريا والعراق...
جاء أنور السادات وحطّم معظم مقومات الدولة في
مصر، قبل أن يُجهز حسني مبارك على الباقي.
أما عبدالفتاح السيسي الذي تمكن من خداع الشعب المصري في إطلالاته الأولى، بتقليده لجمال عبدالناصر ومحاربته لأهل الخيانة من الإخوان"المسلمين"؛
فإنه أعاد مصر إلى ما هو أسوأ من حقبة تبعية ملك مصر للسفارة البريطانية.
عبد الفتاح السيسي هذا، جعل من مصر ألعوبة في أيدي أشباه ملوك، لأشباه دول.
أما العراق الذي ابتلاه الدهر بصدام حسين الذي، على طريقة القذافي، بدل أن يتابع عملية بناء الدولة القوية، قام بشن حربين كسرتا ظهر العراق وحطمتا
نهضته.
فجاءت أميركا وأكلته لقمة سائغة.
أما سوريا، وبالرغم من صمودها الأسطوري في مواجهة جحافل التكفيريين والمرتزقة من أكثر من ثمانين دولة، إلا أنّ طريق المعافاة لن يكون قصيرا ولا سريعا.
غياب هذه الدول الثلاث، ورغبة الولايات المتحدة بوضع أحد بيادقها في قمة العشرين؛ ورغبة العالم في وجود كيس مال كبير للحلب، جعل من هذه الدولة بين أغنى،وليس بالضرورة أقوى، عشرين دولة في العالم.
في عهد ترامب، تحولت المملكة إلى ممسحة، لا يمرُّ يوم دون أن يكيل الرئيس الأميركي لها الإهانة تلو الأخرى.
هل يستطيع محمد ابن سلمان التمرد على وضع الممسحة تلك، بعدابتلاعه كل إهانات ترامب المباشرة وغير المباشرة، في كل الساحات، وعلى كل الشاشات؟!
لو أراد، لفعل.
هذا الشبيه بالرجل مسلوب الإرادة.
وكان يكتفي بابتساماتٍ بلهاء في كل لقاءاته.
هل يعني هذا أن فريقاً آخر على وشك إزاحة ابن سلمان، لصالح جناح آخرمن العائلة السعودية؟
أم أنّ ابن سلمان يريد لبس درعٍ كاذبة تحميه من بايدن، في حال قررت أميركا إعادة فتح ملف خاشقجي.
كل شيء ممكن مع ابن سلمان إلا الضمير والوطنية.
أما الموقف من الاتفاق النووي، فهذا ليس إلا خطوةظاهرها فيه القليل القليل من الإيجابية، بينماالهدف سوف يكون تحطيم هذاالاتفاق من داخله، عبر وضع شروط في مجالي الصواريخ والسياسة الإقليمية، وهذا ما لا يمكن، ولا يجوز لإيران القبول حتى بذكره على طاولة المفاوضات.
(إذا رأيت نيوب الليث بارزة، فلا تظنّنّ أنّ الليثَ يبتسمُ)...؟
لا السعودية، بملوكها وأمرائها الحاليين والسابقين، يمكن أن تكون ليثاً، ولا هي ممكن أن تَصْدُقَ، في مناصرة حقٍّ حاربته مُذْ كانت...
لا يبقى سوى التكهن، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن العقرب، لا يمكن أن يستحيل طائراً حكيما.
هو يلدغ.
هو يلدغ أقرب الكائنات إليه.