كتب الكاتب حليم خاتون:
هناك عدة أنواع من الحروب كما بات حتى أي طفل في منطقتنا يعرف، والحرب العسكرية ليست سوى إحدى هذه الأنواع.
إن أية مراجعة لتاريخ الصراع العربي الصهيوني تبين بوضوح أن الغرب بشكل عام والأمريكيين خصوصاً، كانوا يلجأون إلى هذه الأنواع من الحروب.
فحرب الاغتيالات لم تتوقف يوماً، كما نرى مع قافلة طويلة من الشهداء، من غسّان كنفاني إلى الدكتور وديع حدّاد الى أبو حسن سلامة الى أبو جهاد إلى الشيخ راغب حرب والسيد عباس الموسوي وعماد مغنية
وقاسم سليماني والمهندس و.. و ..وكذلك حرب العقوبات والحصار منذ الخمسينيات مع جمال عبد الناصر ومروراً بسوريا والعراق وليبيا والسودان، وصولاً إلى اليوم مع إيران وسوريا واليمن ...وطبعا لبنان.
منذ غزو لبنان سنة ١٩٨٢، والأميركيون والصهاينة يراهنون على كل أنواع هذه الحروب التي نجحت في كل العقود السابقة، في تقويض حركات وهزيمة حركات أخرى، آملين بالنجاح مرة أخرى.
لكن هناك حقيقة لم ينتبه لها هذا الغرب.
لم تنجح كل هذه الحروب إلا عندما تم اختراق الجبهات المُستهدفة من الداخل.
العقوبات والحصار والحرب، لم تهزم مصر.
رغم الهزيمة العسكرية الكارثية، في حزيران سنة ١٩٦٧، عاد جمال عبدالناصر وبنى الجيش الذي خاض حروب الاستنزاف وحروب الفدائيين خلف خطوط العدو.
هو نفسه، هذا الجيش الذي تلقى ضربة ٥ حزيران، عاد وعبر القنال وحطّم خط بارليف.
لم تسقط مصر إلا حين تولّى أمرها مجموعة من اللاهثين وراء السراب الانفتاحي الأميريكي.
إنها خطيئة اختيار محمد أنور السادات، الذي باع عظمة مصر مقابل أحلام الكوكا كولا.
ما كادت أميريكا تضع رِجْلاً في مصرالسادات حتى تسلل الأخطبوط الصهيوني في كل مؤسسات السلطة في البلد.
كان يجب إسقاط مصر من الداخل أوّلاً، وكان السادات رجل السقوط هذا، قبل أن تكرّ السبحة.
الأمر نفسه جرى مع العراق.
تم إغداق وعود لتغذية أحلام صدّام حسين الإمبراطورية عبر توريطه في حرب عبثية استمرت ثماني سنوات ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ورغم هذا النزف الذي أداره الأميركيون والأوروبيون بذكاء، لإضعاف الطرفين المعاديين بالمطلق لإسرائيل، عاد هؤلاء إلى توريط صدّام مرةً أخرى في غزوالكويت، من أجل الولوج إلى داخل العراق والقضاء على أحد أهم عناصر الجبهة الشرقية التي تهدد الكيان الصهيوني.
ومرةً أخرى، أخطأ صدّام حسين حين سمح للأميركيين بتجريده شيئا فشيئا من عناصر قوته الصاروخية.
لقد مكّن غزو العراق الأميركيين ليس فقط من سرقة ثروات ضخمة من هذا البلد المحوري، بل صار لهم رجال في كل مكان ليس أقلهم شأنا البرازاني.
الأميريكيون، ورغم كل الضباب الذي يلف الوضع العراقي اليوم، موجودون في كثير من المؤسسات المهمة، بما في ذلك الجيش والمخابرات وهذا ما مكّنهم ولازال يمكًنهم
من اغتيال رجالات إعادة بناء العراق.
لقد حاولوا الشيء نفسه مع سوريا.
كادت سوريا تقع وتندثر يوم قبلت بالخضوع لإملاءات الأميركيين تحت ضغط "الحلفاء" الروس الذي بدأ بالسلاح الكيميائي، وكاد يستمر لولا حكمة الرئيس السوري الذي عاد وتشدّد، مستنداً في ذلك إلى إيران ومحور المقاومة الذين لا يقلّون عنه عداء للكيان الصهيوني.
نفس الشيء حدث في اليمن.
تسلل الاميركيون عبر عملاء السعودية والإمارات.
وكاد علي عبدالله صالح
يُسلًم البلد إلى الغرب بعدما تبين عجز وضعف هادي الذي لا يملك أية حيثيات ذات وزن في الداخل.
هم يحاولون دوماً الولوج إلى الداخل للقضاء على أعداء الصهيونية.
كم مرةً حاولوا في إيران وفشلوا.
في لبنان، هم لم يفشلوا بالمطلق.
هم موجودون داخل النظام اللبناني.
هم داخل الكثير من المؤسسات، بالأخص الأمنية.
أليس إطلاق سراح العميل فاخوري أحد الأدلة على سيطرة الأميركيين على الكثير من القيادات الأمنية؟
الأميركيون يسيطرون في لبنان على رؤساء ووزراء ونواب وأحزاب وتيارات.
وهم رغم كل هذا هم عاجزون عن إخضاع البلد.
وهذا العجز ناتج عن عامل واحد فقط.
قوة لبنان لم تعد في ضعفه.
وقوة لبنان لا يمكن أن تكون في النأي بالنفس أو الحياد.
قوة لبنان هذه المرة، موجود في شعبه، في مقاومته..
لقد حاولوا بشتّى السبل من أجل النيل من هذه المقاومة، وفشلوا.
لذلك قرّروا كشف كل الأوراق.
لم يعد يهم إخفاء هويات عملائهم، لا في داخل لبنان ولا في المنطقة العربية.
أمر اليوم لهؤلاء واضح:
يجب فعل أي شيء وكل شيء، لتدميرهذه القوة لتدميرالمقاومة.
لذلك نحن نعيش حرب الحصار والعقوبات والتجويع والإفقار، علّهم ينجحون في إضعاف المقاومة لوجستيا قبل الحرب القادمة.
لقد فشلوا عسكريا في لبنان، وفي أكثر من موقعة وحرب، كما فشلوا في سوريا.
وها هم يفشلون في العراق، بعد الضربات التي تلقوها في اليمن.
لم يعد لهم من مجال سوى تدمير كل شيء لعلهم يتمكنون من إلحاق الأذى بالمقاومة، حتى ولو تم تدمير عملائهم وأتباعهم في الطريق الى هذا.
لهذا يحدث ما يحدث في لبنان.
الحرب في لبنان سوف تستمر طويلا.
ليس هناك من انصاف حلول.
إما أن نصبح عبيدا كما السودان والبحرين، وإما أن نفرض سيادتنا على المنطقة، كل المنطقة.
عدونا ليس فقط الكيان الصهيوني وترامب، عدونا هو أميركا، والغرب وأتباع الصهيونية، سواء كانوا أعراباً أم أغراباً أم "لبنانيين".
والذي يريد العيش حراً عليه أن يُقاوم.