كتب حليم خاتون: مال المودعين، حلال أم حرام؟
تقول الإحصاءات: إنّ هناك ما يقرب من المليوني حساب إيداع، لما يسمى صغار المودعين.
إذا افترضنا جدلا أنّ كل خمسة حسابات تتبع لعائلة واحدة من أربعة أشخاص،
هذا يعني أن خمسمئة ألف حساب تتبع لأربعمئة ألف عائلة.
وإذا افترضنا أن في كل عائلة، فقط شخصين راشدين، فهذا يعني أنّ عدد الراشدين الذين يملكون هذه الحسابات يبلغ حوالي ثمانمائة ألف شخص.
سوف أفترض أن ٧٥٪ منهم، مغتربون يعيشون خارج لبنان.
من أصل ٢٠٠ الف مودع، خرج للمطالبة بالحقوق بضع عشرات.
ما هو السر في ذلك؟
هل هذا المال غير شرعي، وأصحابه يخشون انكشاف أمرهم؟
هذا جداً معقول، إذا أخذنا في الاعتبار أنّ الفساد منتشر في لبنان أفقياً وعاموديا.
إنّه البلد الذي فيه، الكل يسرق الكل..
إنها الصيغة اللبنانية الفريدة.
يبدأ الفساد وتبدأ السرقة، من بواب المؤسسة، صعوداً حتى مدير المؤسسة العام.
كل واحد يسرق على قدر استطاعته.
بصراحة، ورغم كل محاولات فهم ظاهرة الامتناع عن المطالبة بالحقوق، لم يكن بالإمكان إيجاد تفسير منطقي آخر لها.
الغالبية العظمى من المودعين لصوص يخافون انكشاف امرهم، لذلك يُحجِمون عن أية مطالبة.
التفسير الثاني الممكن، لا يقل مهانة عن التفسير الأول:
إذا لم يكن سبب الصمت هو فساد صاحب الوديعة،
فربما يكون السبب الجبن.
نعم هذا تفسير معقول أيضا.
إنّ صاحب الوديعة يخاف أن يطالب بحقوقه لأنه جبان أرعن.
كل شعب فيه نسبة من الجبناء. هذا موجود في كل الشعوب.
لكن، ألا تلاحظون أنّ نسبة الجبناء في لبنان تزيد على المنطق والمعقول؟
لا بد أن يكون هناك سبب آخر.
اللبناني يطلق النار ويقتل من أجل موقف سيارة.
اللبناني يطلق النار ويقتل من أجل مئة دولار لم يدفعها جاره، كيف يسكت ويبلع رفض المصرف أن يدفع له آلاف الدولارات على غير وجه حق؟
في الأمر سر، ما هو يا ترى؟
اللبناني يعبد بعد الله، وأحيانا مع الله، الزعيم، أو الغني صاحب المال.
ألم تروا كيف يجلس اللبناني كالدجاجة البيّاضة في القفص، ويستمع إلى أسخف الكلام والتحليل السياسي والاقتصادي، إذا كان المتكلم مليونيراً أو مليارديرا.
يجلس دكتورالجامعة، والبروفيسير والمهندس وعالم الاقتصاد، يستمعون بكل خشوع إلى رجلٍ جاهلٍ بالكاد يعرف كلمتين على بعض؛
كل ذلك لأن المتحدث زعيم ابن زعيم، أو معه "كم كيس مال"، أو له اتصالات مع أكياس المال الخليجية...الخ.
شخصياً لا زلت على نفس الحيرة.
أرجو التنوير من علماء الاجتماع، والأطباء النفسانيين؛
مع الشكر، على أمل أن لا يصبّ هؤلاء غضبهم عليّ بدلاً عن الزعيم، أو صاحب المصرف، هذا إذا لم يكن الاثنان شخصاً واحدً بوجهين.