كتب الأستاذ حليم خاتون:
الكلام الهادىء بشكل عام الذي ميّز مقابلة السيد حسن الأخيرة، لم يتطرق إلى الوضع الداخلي اللبناني كثيرا.
اكتفى ببعض الإجابات السريعةعلى بعض أسئلة الأستاذ غسّان بن جدّو.
حتى في تناول العمليات الحربية والاغتيالات، لم نرَ إصبع السيد يرتفع مهددا...
جوابه كان بسيطاً:
إنها الحرب التي لم تتوقف يوما.
في السياق العام، وضع المحور كل يوم إلى الأفضل.
نحن نوجِّه الضربات بشكل مستمر وفي كل المجالات؛ فمن الطبيعي أن يردّ العدو بين الحين والآخر، ومن الطبيعي أن يقع شهداء؛ إنه منطق الحرب التي لا تتوقف.
وكأن السيد حسن ترك لمقابلة السيد صفي الدين مع الأخت بثينة عليق، أن تتناول هي الوضع الداخلي في لبنان.
ما قاله السيد صفي الدين، لم يخرج عن السياق العام الذي نعرفه عن تعاطي حزب المقاومة مع أزمة الداخل.
هذا التعاطي يستند على لازمتين:
أولا،
تحصّين بيئة المقاومة ضمن خطة لم يفصِّلها السيد صفي الدين، واكتفى بالقول: إنها من ثلاث مراحل وإننا لا زلنا في المرحلة الأولى.
أما ثانيا،
فهو ترك الأمور تسير دون تدخّل إلا بما لا يستفًزّ الحساسيّة التي لن تنتهي، عند أعداء هذه المقاومة، وأعداء كل مقاومة تتصدّى للغرب عامّة، ولأميركا خاصة.
صحيح أن هذه المراعاة لا تحظى بالتعاطف من الكثيرين من أنصار المقاومة، إلا أن جمهور المقاومة لا زال على دعمه شبه المطلق لقيادةالحزب.
هؤلاء الكثيرون من غير الراضين على سياسة المشي على البيض في المسائل الداخلية لا ينطلقون من مجرّد الحماسة الزائدة والشعور بالقدرة على ضرب عملاء أميركا في الداخل.
هؤلاء يقرأون ويشاهدون ويسمعون كل ما يصرح به عملاء الداخل من كبار رجال الدين إلى أصغر صرصور متخفٍّ في هيئة صحفيٍّ أو ناشطٍ اجتماعي.
عندما يخرج محمد بعاصيري، الذي كان رجل أميركا الثاني في المصرف المركزي بعد رياض سلامة، ليوهمنا بأن حلّ مشكلة لبنان ينتظر فقط حكومة حياد واختصاص، وأهم شيء، عودة لبنان الى الحاضنة العربية
(وتحديداً،السعودية)، لا يسع المرء حينها إلا رؤية مدى ثقة الطرف الآخر واستمراره في محاولة إلباس
المقاومة ثوب الأزمة الوسخ.
صحيح أن السيد نصرالله قال: إنّ ملفّ الترسيم مثلاً،في أيدي السلطة اللبنانية وإنّ الأمور جيّدة حتى الآن؛
لكن الصحيح أيضاً، أنّ معظم الأجهزة الأمنية والقضائية، أي نصف جهاز السلطة في لبنان خاضع بشكل شبه كامل للإرادة الأميركية، بل خاضع لأصغر موظف في أميركا،الحليف الستراتيجي لعدو لبنان الوجودي، "إسرائيل".
هل يجب أن يخاف جمهور المقاومة؟
بالتأكيد يجب، ويحق لنا أن نخاف.
صحيح أنّ ثقتنا بالقيادة التاريخية للمقاومة شبه مطلقة، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ سياسة اللين تجاه العملاء لا تعجبنا.
الحزب يرى في هؤلاء خصوما.
خصوم، ولكن شركاء في الوطن.
جمهور المقاومة لا يرى فيهم مجرد خصوم.
جمهور المقاومة يرى
فيهم عملاء بكل معنى الكلمة.
إنّ الذي تآمر على المقاومة، والذي تآمر على سوريا، إذا كان يكتفي اليوم بمجرّد الكلام ضد المقاومة، فهذا لأنّ أضراسه مقلّعة، وفي أحسن الأوضاع، أضراسه "مُسوّسة".
مصير حزب الله أن يتجذّر كلّ يوم أكثر .
التجارب سوف تدفعه إلى التجذرفي الداخل.
حزب الله ليس أول حركة تحرّر تتلبسها الأوهام البرجوازية الصغيرة بإمكانية كسب الخصوم إلى صفِّه.
لقد سبق حزب الله الى هكذا مواقف وهكذا حالات، الحزب الشيوعي الصيني الذي ظلّ لعدّة سنوات يُعوِّل على وطنيّة
الكومينتانغ وانضمامهم إلى حرب التحرير ضدّ الإمبرياليتين الأميريكيةوالبريطانية قبل أن يحسم الأمور فيضع العملاء والوكلاء في نفس موقع الأعداء.
كذلك ظلّ فيدل كاسترو فترة من الزمن يحاول جذب البرجوازية الكوبية إلى صف الثورة، في الدفاع عن مصالح كوبا الوطنية، قبل أن يحسم الجناح الماركسي في الثورة الأمر، ويقود الثورة إلى التحرير والتحرّر الكامل.
حتى الحزب الشيوعي الفيتنامي، راهن وضمّ جزءاً من البرجوازية الوطنية إلى الفيتكونغ ونجح في الرهان لأن الصراع العسكري ساهم في تجذّر هذه البرجوازية.
مهمة جمهور المقاومة أن لا يهادن العملاء.
مهمة جمهور المقاومة أن لا يراعي من يختبئون خلف شعار الشركاء في الوطن.
كلّما زادت جذرية جمهور المقاومة، زادت جذرية مواقف القيادة.
هنا تبرز نظرية الدكتور جورج حبش، مؤسس وقائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حين قال:
إنّ مراهنة الثوّار يجب أن تكون على "وطنية" الصهاينة الذين لن يتخلوا عن الحلم الصهيوني، ما سوف يُجبر حركة التحرّر الوطني العربية على المضيّ في الصراع إلى نهاياته الحتمية ويؤدي إلى الانتصار الكامل والناجز.
إنّ قيادات محور المقاومة مُجبرة على أن تكون راديكاليّة وجذريّة في الصراع العام في المنطقة.
لقد دفعت القيادة السورية ثمناً باهظاً بسبب وهم إمكانية مساومة الغرب وعملائه في المنطقة وإغرائه ببعض المكتسبات.
الخطأ نفسه وقع فيه التيارالإصلاحي والتيار الوسطي في إيران.
حين قبل الغرب بالاتفاق النووي مع إيران، لم يكن أمامه خيار آخر لوقف اندفاعة محور المقاومة في التقدم خطوات نحو النصر.
وحين جمّد ترامب هذا الاتفاق، فلأنّه رأى أن ما تمّ، لم يستطع إيقاف عجلة التاريخ.
ما ينطبق على الصراع العام في المنطقة، ينطبق على الأوضاع الداخلية في دول المحور بما في ذلك لبنان.
كلما زادت صداميتنا ضدّ محور الشرّ من العملاء والخونة، زاد تراجعهم وانهزامهم أمام حركة التاريخ.
ما يقوم به حزب الله في لبنان اليوم، على الأقلّ المرحلة الأولى التي تحدث عنها السيد صفي الدين، لا يرقى إلى ما يجب أن تكون عليه المواجهة.
الأمل، كلّ الأمل، هو في تجذّر الحركة الشعبية التي لا بدّ أن تنتقل إلى مستويات أعلى من النضال، تستطيع أن تجرّ معها المقاومة إلى مواكبة هذا التطور.
في أوائل بزوغ حركة 17 تشرين، 2019، انهار النظام الطائفي المذهبي في الشارع، وسبق بأشواط كل الأحزاب والحركات بما فيها اليسار والمقاومة.
وبسبب غياب وجود قيادة ثورية تقود الجماهير، أصيب الحراك بانتكاسات متتالية.
التاريخ لن يعيد نفسه.
ولكن التعلّم من التاريخ هو واجب المقاومة.
لبنان لن يعود كما كان.
عرب أميركا سوف يحرصون على تدمير هذه القاعدة المتقدمة لحركة التحرّر والتحرير في المنطقة.
الوسطية وعدم دفع الثورة إلى النهاية المرجوّة قد يتسبّب بالكثير من الانتكاسات، وربّما حتى إلى الهزيمة.
الظروف الموضوعية أكثر من ملائمة للإنتصار.
كل ما يلزم هو نضوج الظروف الذاتيّة.
المقاومة تمشي إلى الأمام، لكن ببطء شديد وحذر أشد.
هل يؤثر هذا على إمكانية الانتصار؟
حركة التاريخ تقف إلى جانبنا، لكن الخطر لا زال هناك.
التاريخ يحتاج إلى قرارات حاسمة وسرعة، بالتأكيد أكبر بكثير مما يجري الآن.