كتب الأستاذ حليم خاتون: العمالة الموضوعية، قصص تُحكى.. ما بين التوت المجفف وورق التوت
أخبار وتقارير
كتب الأستاذ حليم خاتون: العمالة الموضوعية، قصص تُحكى.. ما بين التوت المجفف وورق التوت
حليم خاتون
3 كانون الثاني 2021 , 21:32 م
كتب الأستاذ حليم خاتون:  العمالة الموضوعية، قصص تُحكى... في نهاية حفل زفافي، تقدمت مني امرأة كبيرة السن نسبياً، باركت لي، ثم أضافت: "إنت أخذت شْريفة، انتبه عليها". صِفة الشريف، صفة تُطلق

كتب الأستاذ حليم خاتون: 

العمالة الموضوعية،

قصص تُحكى...

في نهاية حفل زفافي، تقدمت مني امرأة كبيرة السن نسبياً، باركت لي، ثم أضافت:
"إنت أخذت شْريفة، انتبه عليها".

صِفة الشريف، صفة تُطلق على من يعود بنسبه إلى بيت النبوة، ولم يُعرف  لهذا البيت من رحم، غير رحم سيدة نساء العالمين،
فاطمة الزهراء، سلام الله عليها.

ابتسمتُ، وقد كانت لي مواقف متطرّفة من الكثيرين مِمّن يحملون هذه الصفة، دون وجه حق، بالأخص من سلالة الشريف حسين، شريف مكة والجزيرة العربية.

اليوم، وبعد أكثر من عقدين من الزمن، وفي بيتٍ بعيدٍ آلاف الأميال عن كل مناطق الثغور في مواجهة الإمبريالية، أستطيع القول: إنّ هناك أشرافاً يحملون هذه الصفة في الجينات،
حتى ولو ضَعُفت لغتهم العربية.

في التسعينيات من القرن الماضي، أراد رفيق الحريري، ومن ضمن سياسة كم الأفواه الحرة؛
أراد إسكات فضائية الNewTV،المزعجة يومها لبني سعود، من أولياء نعمة سلالة الحريري.

وكانت التهمة البلهاء يومها...تحسين خيّاط، عميل صهيوني؛ تهمة أضحكت الشارع وأضحكت محمد حسنين هيكل الذي جاء بعد أيام إلى بيروت، لتهنئة خيّاط بالخروج بالسلامة من قبو المخابرات السورية التي كانت تعمل عند الحريري وأسياده من بني سعود.

كبر تلفزيون الNewTV، وصار اسمه "تلفزيون الجديد"، وتميّز بالانحياز إلى معسكر المقاومة في وجه الرجعيّة العربيّة.

من قصص العفّة الكثيرة في تاريخنا أن الخليفة "الراشدي" الخامس، عمر بن عبد العزيز، لم يستطع شراء ثياب جديدة لأطفاله بمناسبة العيد لأّن راتبه من بيت مال المسلمين كان محدوداً بأمرٍ منه هو شخصيّاً، تقوى وخوفاً من زلةً، كالكثير مما حصل ويحصل في هذه الأمّة.

تذكرت قصّة الخليفة؛
وقصص نبلائنا في التاريخ كثيرة، ولا تُحصى.

 اليوم فجراً، حين قرأت قصّة زينب قاسم سليماني التي تناولت بضع حبات من التوت المجفّف في مكتب والدها، فقام سليماني باحتساب ذلك من راتبه، لأن ابنته كانت تزوره بصفتها الشخصية،وليست من المشتغلين في الشأن العام.

حين قرأت قصّة حبات التوت هذه، عرفت تأثير التوت على تاريخنا،بحبّاته وورقه.

فكم من حبة توت "زحلقت" شهامة ما، وكم من ورق توت غطّى عورات.

أتصور وجوها صفراء كالحة كثيرة سوف تتندّر بهذه الحكاية أو ما يُماثلها، و أستغفر الله لي ولهم، لأن 
تاريخنا يحمل فعلاً آلاف القصص المشابهة، عن بيوت المناضلين الفقيرة بالمال، الغنية بالعزة والكرامة.

نعم، قد يبتسم فارس سعيد، أو مصطفى علّوش أو أي من تلك الجِيَفِ التي لا تعرف للعز معنى، ولم تذق طعم الكرامة يوما...

لم ينتقل جمال عبد الناصر للسكن في أيٍّ من القصور الملكية بعد انتصار الثورة.

وحتى حين اضطر لاستعمال أحد مساكن الملك أثناء ترميم بيته، أمر بإقفال كافة الغرف واكتفى بغرفتين، لكي لا يسمح لأولاده باستسهال المال العام.

حتى يوم أراد تزويح ابنته الكبرى، قدّم كل المستندات اللازمة للحصول على قرض من المصرف، ليس لأن عنده واسطة، ولكن لأنه كان عبداً فقيراً، رغم كونه رئيساً للجمهورية.

ويكفي جمال عبد الناصر شرفا، أنه غادر الدنيا بعدما ملأها عزاً وكرامة، وأنه لم يكن يملك حتى البيت الذي يسكنه، وأنّ عائلته كانت تعتاش من راتبه البسيط، آخر كل شهر.

يقال: إن برج تلفزيون القاهرة بُني من مبلغ خمسة مليون دولار جلبها السفيرالأميركي إلى مكتب عبدالناصر لشراء ضمير الزعيم ووطنيته؛ فما كان من الراحل إلا أن شكر في خطبة عامة الإدارة الأميركية على هذا المبلغ، وجيّره فوراً إلى إدارة مشروع بناء البرج.

الناس أشكال وأنواع.

الرئيس لحود رفض رشوة رفيق الحريري الشهرية، وهو كما اللبنانيين يعاني في هذه الأيام الصعبة.

 بينما باع ميشال سليمان نفسه للشيطان بسبعة من الفضّة.

ميشال سليمان بالتأكيد لا يُعاني، وهو لا زال إلى اليوم، قادرً على صيانة أسطول السيارات الذي جمعه أثناء حكمه للبلد.

لقد كان تحسين خياط مقاولا، مثله مثل الكثيرين.

كان تحسين خيّاط من أولئك الذين يرفضون القرش الحرام المغلّف بورقة توت.

في لحظة ما،
ربما في جلسة ما،
أكل تحسين خيّاط حبة توت جافة، كتلك التي كانت في مكتب قاسم سليماني.

لكن تحسين خيّاط لم يدفع ثمن حبة التوت تلك، على قلة ثمنها.

لم يسمع تحسين خيّاط برفض السيد محمد حسين فضل الله لأعطية 
ملك بني سعود، وكانت كلمته الشهيرة،
"المال وأصحابه"، التي قالها لمصطفى ناصر، مُستشار رفيق الحريري، صبي الملوك والبلاط.

كانت الجديد، ومنذ أيام نظام الوصاية السعودية السورية الاميركية، تناطح الأمبريالية.

لم تهادن الجديد حتى الرئيس برّي.

كانت إحدى أهم المحطات 
المحبوبة من شعب الكرامة ..

لكنها حبة التوت إياها، لعن الله حبّات التوت.

في لحظة تراخ واستسهال زلّت قدم الفارس بقشرة حبة توت.

وصار الضيف الدائم على الجديد، إما جنبلاطي الهوى، أو مستقبلياً لا يمت إلى مستقبل الأمة بشيء، 
أو بولا يعقوبيان، بوق مملكة الخير المُفضّلة وال NGO's.

لا نطلب من مريم البسّام تغطية أي زلة من أيّ مقاوم، حتى ولو كان هذا المقاوم من وزن صفا...

ولا نطلب من كرمى الخيّاط، الدفاع عن عهد من طبع "البراء المستحيل" ثم أخفاه بتسوية خسيسة على حساب وطن.

تريدون، وتحت راية الموضوعية، استضافة جماعة الذلّ العربي، أو من أجل مقاولة هنا أو مقاولة هناك، أو قرضٍ هنا أو قرضٍ هناك؛

على الأقل، استضيفوا من المعسكر الآخر بعضاً من ذوي العقول، على قِلّتهم.

الفرق شاسع بالتأكيد بين سركيس نعوم ومحمد نمر مثلاً، أو بين نقولا ناصيف والأخوة بومنصف...

قليل من احترام عقول الناس.

هناك مئات المحطات الفضائية.

الفرق، كل الفرق في حبة توت مجفف، وورقة توت بلغت من الصغر حدا، لم تعد تستطيع تغطية عورات الأمّة.

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري