كتب الأستاذ محمد محسن:
سياسة الحروب الأمريكية ، أوصلت العالم كله إلى الحـافة ، وهي تعـيش في خانق مر
تحتكر سلاح الدمار ، وتقوم سياستها على الحروب ، فكيف سيتعامل معها المستقبل ؟
هل سيعيد الشرق التوازن إلى الحضارة ، كما كان قد بنى مداميكها الحضـارية الأولى
أمريكا المحاربة ، المأزومة ، كيف سيتعامل المستقبل معها ؟
يدرك العالم كل العالم أن أمريكا تعيش الآن أزمة على جميع الصعد ، فأمريكا التي كنا نعرفها ، أو التي كانت تحاول التعريف الكاذب بها ، قد بانت على حقيقتها ، دولة عنصرية ، حقوق الانسان فيها مضيعة ، الديموقراطية مجرد لافتة باهتة ، لم تعد تنطلي على أحد ، دولة لا تعيش إلا على الحروب ، فبنيتها الرأسمالية تتطلب موت الشعوب .
فكيف ستتعامل هذه الدولة الأقوى في العالم مع المستقبل ، آو كيف سيتعامل المستقبل مع هذه الدولة الباغية ، وهي المهددة بسقوطها عن عرش القطبية الواحدة ، في الوقت الذي تمتلك فيه كل أدوات الموت والدمار ، كما تحتكر شركاتها الاحتكارية ، كل ما أنتجته المعارف العلمية ، ليس من جامعاتها ، ومراكز بحوثها فحسب ، بل تستقطب الكثير من الطاقات العلمية ، من جميع بلدان العالم .
وهناك احصائية أمريكية تقول أن 85 % من الاختراعات الأمريكية ليست أمريكية ، بل نتاج طاقات شعوب العالم الثالث العلمية .
نعم أمريكا ذات اليد الطولى ، التي كانت تبطش في كل القارات ، بدون رادع أو حسيب ، والتي تستعمر أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية ، الآن ولأول مرة ، ومنذ عقود ، تخسر حربها في الشرق العربي ، أو تكاد ، وهذا الخسران الرهيب ، خلق لها ألف مأزق ومأزق ، تجاه محمياتها ، وبخاصة الكيان الاسرائيلي ، وملوك الخليج ، وتجاه بنيتها الذاتية .
أما محمياتها فلقد وجدت نفسها تتساءل ولأول مرة ، في جدوى الحماية الأمريكية لها ، وهذا خلق ويخلق لديها الكثير من فقدان الثقة حتى بوجودها ، الذي عبرت عنه بالسعي للاستقواء ببعضها ، فأظهرت ما كانت جاهدة لإخفائه منذ التأسيس .
كما أن خسرانها البين في حروبها في الشرق الأوسط ، شكل ردة فعل على بنيتها الذاتية ، عبرت عنه مجتمعاتها في أكثر من موقف مندد بالسياسات الأمريكية الداخلية ذات البعد الاجتماعي ، وبشتى أشكاله العنصرية ، والسياسية ، وكان آخرها الهجوم على الكبتول ، الذي يحدث لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة ، وهذه المواقف أثبتت كشفت زيف الديموقراطية الأمريكية ، وعرت مواقفها من حقوق الانسان ، ومن اضطهادها للسود ، وغيرهم من القوميات الوافدة .
هذه الأزمة الداخلية التي تنبأ بها المفكر المصري سمير أمين منذ عشرات السنين ، حيث راهن على تفكك الولايات المتحدة الأمريكية ، وما يحدث الآن في شوارع أمريكا ، والصراعات بين سياسييها ليست إلا نذر تدلل على ذلك .
لكن أزمة الامبراطورية الأمريكية ، لن تبقى حبيسة التفاعلات الداخلية ، بل ستعطي منعكساتها على كل العالم ، وأول ما ستصلها الهزات الارتدادية هي أوروبا العجوز ، التي حولتها الوصاية الأمريكية ، أو بالأحرى استعمارها لها ، من امبراطوريات تسيطر على العالم ، إلى قارة تابعة تتقرر سياساتها في البنتاغون الأمريكي ، كما سرقت غالبية أسواقها في جميع القارات ، وتركتها تقتات على بقايا أسواق ، لم تلحظها الاحتكارات الأمريكية .
هنا نقف لنوجه الكثير من الأسئلة .
هل سيدفع هذا الغليان في الولايات المتحدة ، الذي يعبر عن أزمة اقتصادية ــ اجتماعية ـــ سياسية ، إلى التساؤل من قبل الهيئات السياسية والعسكرية ، عن جدوى سياسة الحروب ، التي تنتهجها الولايات المتحدة منذ تأسيسها ؟ أو بالأحرى هل هي قادرة على التخلي عن الحروب ،؟ لأنها الطريق الوحيد الذي يمكنها من تحقيق الثروة ، وتشكيل الشركات الاحتكارية العملاقة العابرة للقارات ؟.
وما هو دور الدول المستفيدة من الواقع الأمريكي المأزوم ، وخسرانها لحروبها في المشرق العربي ، والمتطلعة نحو العالمية ، كالصين ، وروسيا ؟ أليس بداهة أن تحتل هاتان الدولتان ، على وجه الخصوص ، جميع المواقع ، الجغرافية ــ والسياسية والاقتصادية ، التي تتراجع عنها أمريكا ؟ وبخاصة في المنطقة التي خسرت حربها الأخيرة فيها .
وهل سيسمح ذاك الانحسار ، وهذا التمدد المشرقي ، بهامش من الحرية لشعوب المنطقة ، تمكنها من اعادة النظر بواقعها ، وبتحالفاتها ، وبالعمل الجاد لإزالة الظلم التاريخي المديد الذي عانت ولا تزال تعاني منه ، واعادة النظر في التكوينات الجغرافية القهرية ، التي فرضت على شعوب المنطقة ، من قبل أوروبا الاستعمارية ، والتي تنازلت عن عهدتها لأمريكا ؟
بكل تأكيد نحن على أبواب تغير تاريخي دراماتيكي ، ستبدأ صيحته الأولى من الشرق الذي سمي أوسطاً ، والذي سيتحمل وزر اعادة التاريخ إلى قاعدته ، كما كان مسؤولاً عن بناء لبناته الأولى ، بعد أن كاد التوحش الغربي الأمريكي الاطاحة بالحضارة الانسانية .