كتب الأستاذ حليم خاتون: عودة إلى عصر الِاستيطان الأول في أميركا ..
دراسات و أبحاث
 كتب الأستاذ حليم خاتون: عودة إلى عصر الِاستيطان الأول في أميركا ..
حليم خاتون
12 كانون الثاني 2021 , 21:55 م
 كتب الأستاذ حليم خاتون:  عندما وصلت السفن إلى العالم الجديد، كان كولومبوس يعتقد أنه اكتشف طريقاً جديدةً للوصول إلى الهند، لا يضطر فيها إلى سلوك طريق رأس الرجاء الصالح حول القارة الإفريقية، لذلك أط

 كتب الأستاذ حليم خاتون: 

عندما وصلت السفن إلى العالم الجديد، كان كولومبوس يعتقد أنه اكتشف طريقاً جديدةً للوصول إلى الهند، لا يضطر فيها إلى سلوك طريق رأس الرجاء الصالح حول القارة الإفريقية، لذلك أطلق على سكان هذا العالم الجديد، اسم الهنود.
فعرفناهم فيما بعد باسم الهنود الحمر.

مضت سنوات طويلة قبل أن تصل سفن Amerigo Vespucci (أميريغو ڤيسبوتشي)، الذي اكتشف خطأ كريستوفر كولومبس، وعرف أن هذه قارة جديدة، وليست بلاد الهند.

 وكما جرت العادة عند المستعمرين، أُطلق على هذه القارة الجديدة إسم أميركا، نسبة إلى أميريغو.

هل كانت هذه القارة بلا اسم؟
هل كانت بلداً واحداً، أو شعباً واحدا؟

القليل القليل، مما نعرفه، هو أن هؤلاء المستعمرين المتوحشين، الآتين من القارة الأوروبية قضوا على حوالي مئة مليون من السكان الأصليين الذين كانوا شعوباً كثيرة، ذات حضارات وديانات وعادات وثقافات وآلهة لا نعرف عنها الكثير، لأن الرجل الأبيض المتوحش قام بأحد أكبر جرائم الإبادة في التاريخ الإنساني.

المستعمر الأوروبي الأبيض لم يقم فقط بقتل، ومجازر جماعية للسكان الأصليين، وسرقة بلاد وثروات، بل قام فوق ذلك، بمحو أي أثر يمكن أن يعطينا فكرةً عن هذه الحضارات،  إلى درجة أننا لا نعرف إلا النزر اليسير عن هذه الشعوب وطريقة حياتها.

بدلاً عن ذلك، ألصق المستعمرون كل أنواع الصفات السيئة والوحشية بهؤلاء الضحايا، ضحايا  أكبر هولوكوست معروف للجنس البشري.

ما حصل ويحصل في أميركا، في الأيام الأخيرة، هو العودة إلى زمن الِاستعمار والِاستيطان الأول، ولكن هذه المرة ليس ضد السكان الأصليين الذين بالكاد تصل أعدادهم إلى بضعة مئات، أو آلاف، ولكن ضد الآخر، أياً يكن هذا الآخر، أسود، لاتيني، أسيوي... بل حتى الأبيض الذي لا يوافق على أفكارهم ... وممارساتهم.

إنهم داعش أميركا.
إنهم الترامبيون الجدد الذين يريدون تطهيراً عِرقياً ودينياً يعيدون به أميركا إلى عصر الأسياد البيض والعبيد السودوالخدم من اللاتين والأسيويين. 

وإذا كان القضاء على حوالي مئة مليون بشري من السكان الأصليين، هو أول أعمال هؤلاء السفاحين في العالم الجديد، فهم ما لبثوا أن ارتكبوا جريمتهم الثانية عبر خلق تجارة أساسها استعباد الإنسان،لأخيه الإنسان. 

قامت هذه التجارة على حملات ميليشيوية مُشَرعنَة من كافة الدول الأوروبية، لاصطياد رجال ونساء القبائل السوداء في القارة الإفريقيةالذين تتراوح أعمارهم بين الخمسة عشر عاماً والخمسين عاماً، من الأقوياء الأصحاء، الذين يستطيعون العمل في الحقول والبيوت في كافة المستعمرات الأوروبية.

فجرى شحن ما لا يقلّ عن خمسة وخمسين مليوناً، في أصفاد من الحديد، على متن السفن التي تذهب إلى القارة الجديدة لتعود بالثروات المنهوبة من هناك إلى أوروبا.

حتى شحن هؤلاء العبيد، كان يجري بطرق غير إنسانية أدّت إلى وفاة أكثر من خمسة عشر مليونا على الطريق، حيث رُمِيَ بهم في أعالي البحارطعاماً للسمك .

ماذا يريد ترامب؟
ما هي فلسفة الترامبية؟

سبعون مليون من المتعصبين،معظمهم من الارياف أو متوسطي التعليم، الذين هالهم أن يروا بعض السود يشقّون
طريقهم، في مجتمع يحترم المال وصاحبه بغض النظر عن حامل هذا المال.

لقرون كثيرة كان الأبيض هو من يحتكر كل شيء، وبالتالي هو صاحب المال.

كان العبيد يعملون في حقول القطن والقمح والذرة لقاء قوت يومهم، بينما يراكم الرجل الأبيض،
سيد هؤلاء العبيد الثروات.

حتى بين البيض أنفسهم، كان هناك تمييز؛ففي المرتبة الأولى، يتربع البيض من العرق الساكسوني الآتي من انكلترا والتابع للكنيسة الأنكليكانية (القريبة الى البروتستانتية)، أو من ألمانيا، من نفس العرق ومن أتباع الكنيسة البروتستانتية التي أسسها الأسقف الصهيوني مارتن لوثر. 

وفي المرتبة الثانية، يأتي الكاثوليك الذين خسروا النفوذ بعد خسارة فرنسا وإسبانيا حربيهما، في مواجهة انكلترا للمحافظة على المستعمرات في العالم الجديد.

ولذلك، لم يستطع الكاثوليكي جون كنيدي البقاء في السلطة وتم اغتياله، ولذلك أيضاً، سوف يواجه بايدن أوقات صعبة أثناء الحكم.

لقد استفاق هؤلاء البيض، ليجدوا فجأة أن الأقلية السوداء التي لا يزيد عددها عن 12-13٪ من السكان، قد خرجت من سجن العبودية وبدأت تدخل عالم رأس المال.

الأمر نفسه، حصل ويحصل مع الأقلية اللاتينية التي لا تزيد نسبتها عن 20- 25٪.

وصار الآسيويون نداً للأوروبيين في مجال الاستثمار.

تنحدر نسبة البيض إلى عدد السكان إجمالاً إلى ما دون ال60٪، وهذا ما يقلق ترامب ويقض مضاجع أتباعه...

حتى اليوم يسيطر البيض على أكثر من تسعين بالمئة من الثروة الوطنية؛ لكنهم يخافون تحالف الأضداد في وجههم.

الِانقسام في أميركا بالأساس، عامودي، ولكن مع انتقال قسم مهم من البيض إلى الطرف المقابل، 
طارصواب العنصريين وقرروا ما أطلقواعليه: "استعادة أميركا عبر استعادة عظمتها".

لذلك، وكما يبدو، قد لا تنتهي المشكلة كما يَوَدُّ الديموقراطيون  والحالمون بعظمة أميريكا
وديموقراطيتها.

وكذلك، كما يبدو، حتى لو هدأت الأمور إلى حين، فإنّ الجمر سوف يظل تحت الرماد.

وإذا كانت الحرب الأهلية بين الجنوب الزراعي الذي يحتاج إلى العبيد، والشمال الذي قاد حرب تحرير هؤلاء العبيد وتحت راية وحدة الدولة الأميريكية؛ إذا كانت هذه الحرب الأهلية استمرت بضع سنوات، فإن محونظام التفرقة العنصرية استغرق أكثر من قرن من الزمن، لتطبيقه مع كل التشوهات في هذا التطبيق، والتي نراها كل بضعة أسابيع.

لذلك، فإنّ المُرجّح ألّا تهدأ الأمور، وأن تعود للِاشتعال ما أن تسنح الفرصة.

تقول الحكاية الشعبية: إن "نوم الظالم عبادة".

إن الِانقسام العامودي لن يلبث أن ينتقل إلى الوضع الأفقي، فتغرق أميركا في مشاكل كبيرة قد تلهيها عنّا.

ولكنّ أميركا التي تملك حوالي خمسة آلاف رأس نووي.
وتملك تكنولوجيا ربما الأولى عالمياً، وتسيطر
على حوالي 25-30٪ من الِاقتصاد، رغم أنّ عدد سكانها لا يتجاوز ال5٪ من مجمل عدد سكان الكوكب.

رغم كل ذلك، أميركا آيلة إلى السقوط المتدرج، خلال عقد أو عقدين من الزّمن، على الأكثر .

هل سوف يرضخ ترامب والفاشيون من المحافظين الجدد، أم سوف يضغطون على الزر النووي؟

حتى لو سقطوا، هل سوف يسقطون دون مضاعفات، وعملتهم من الدولار تسيطر على معظم العملات في العالم؟

أسئلة صعبة.
لكن الأصعب، هو عدم الإجهاز على هذا النظام الظالم بمجرد التمكن.

تحاول الصين، وتحاول أوروبا تجنب الخضات أثناء العودة إلى التعددية القطبية.

لكن جنون ترامب، لا يُسهل هذا الموضوع.

بالنسبة لنا، نحن محور فلسطين، 

مهما ساءت الأمور، فهي لن تكون أسوأ مما هي عليه الآن.
لذلك يجب عدم التأخر في توجيه اللكمات إلى هذا المغترّ الظالم حالما تسنح الفرصة.

قوتنا من ضعف الكيان الصهيوني، وضعف أميركا، سوف يؤدي بالتأكيد إلى ضعف الكيان.

الأيام القادمة حاسمة جداً.
وصلاتُنا أن تسقط إمبراطورية الشر الأميركي لتتنفس منطقتنا ويتنفس العالم.

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري