معادلة قياس المال...باحث اقتصادي : محاولات تحديد قيمة النقد بغطاء ما هي إلا تخلف في فهم صحيح للنظرية المالية
أخبار وتقارير
معادلة قياس المال...باحث اقتصادي : محاولات تحديد قيمة النقد بغطاء ما هي إلا تخلف في فهم صحيح للنظرية المالية
خديجة البزال
14 كانون الثاني 2021 , 10:39 ص
رأس المال العامل هو مقياس للنقد والأصول السائلة المتاحة لتمويل عمليات الشركة اليومية، يمكننا من خلال حساب رأس المال العامل تحديد ما إن كان العمل ق

تقرير خديجة البزال:

بيروت

 

رأس المال العامل هو مقياس للنقد والأصول السائلة المتاحة لتمويل عمليات الشركة اليومية، يمكننا من خلال حساب رأس المال العامل تحديد ما إن كان العمل قادرًا على تلبية المتطلّبات الحالية والمدة الزمنية التي يمكنه تحقيق ذلك خلالها.

الباحث في العلوم السياسية والاقتصادية الأستاد محمد ياسر الصبان وفي في حديث خاص لموقع إضاءات اإخباري,  قال إن "نجاح أي نهج اقتصادي هو اعتماد حرية السوق، والبحث من ضمن الحرية عن العدالة وعن عوامل النجاح الأخرى لأنه يكون نجاحاً ثابتاً وغير وهمي، إذ إن القيمة الشرائية للعملات لا يمكن تثبيتها إلا بكلفة باهظة عجزت عنها الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي، ولذلك فإن حماية الثروة الكامنة في النقود لها غطاء واحد لا غير وهو تطوير القدرات الإنتاجية لكل أفراد المجتمع وعدم إعاقتها بالبيرقراطية الادارية والجبايات الضريبية المتخلفة، مما يؤدي إلى زيادة الطلب الحر على العملة الوطنية.

 فالإنتاج وتطوره هو وحده الذي يرفد النقود الصادرة بالقيمة، وكلما تمكنت الحكومات من زيادة الإنتاج لحماية القيمة الشرائية للنقود الصادرة عنها كلما ازداد الطلب عليها بحرية. بينما كل محاولة لتحديد قيمة النقد بغطاء كالذهب أو الدولار أو سلة العملات، ما هي إلا تخلف في فهم صحيح للنظرية المالية، وذرُّ للرماد في العيون، ولا تحقق إلا سراباً ووهم حماية القيمة الشرائية للنقود، بينما تتسرب الثروة الوطنية من دون أن يشعر أحد بهذا التسرب ويؤدي إلا إلى الخسارة. 

وتابع الأستاذ الصبان، إن " من بديهيات نجاح أي نهج اقتصادي هو اعتماد حرية السوق، والبحث من ضمن الحرية عن العدالة وعن عوامل النجاح الأخرى لأنه يكون نجاحاً ثابتاً وغير وهمي، إذ إن القيمة الشرائية للعملات لا يمكن تثبيتها إلا بكلفة باهظة عجزت عنها الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي، كما أن الحماية القسرية للمنتجات تولّد منتجات سيئة النوعية وبكلفة عالية جداً يُظلم بها المستهلك ويُظلم المجتمع. والقيمة الحقيقية لأي سلعة هي في حجم الطلب الحرّ عليها".

 ولذلك فإن حماية الثروة الكامنة في النقود لها غطاء واحد لا غير وهو تطوير القدرات الإنتاجية لكل أفراد المجتمع وعدم إعاقتها بالبيرقراطية الادارية والجبايات الضريبية المتخلفة، مما يؤدي إلى زيادة الطلب الحر على العملة الوطنية، فالإنتاج وتطوره هو وحده الذي يرفد النقود الصادرة بالقيمة، وكلما تمكنت الحكومات من زيادة الإنتاج لحماية القيمة الشرائية للنقود الصادرة عنها كلما ازداد الطلب عليها بحرية. بينما كل محاولة لتحديد قيمة النقد بغطاء كالذهب أو الدولار أو سلة العملات، ما هي إلا تخلف في فهم صحيح للنظرية المالية، وذرُّ للرماد في العيون، ولا تحقق إلا سراباً ووهم حماية القيمة الشرائية للنقود، بينما تتسرب الثروة الوطنية من دون أن يشعر أحد بهذا التسرب.

غطاء الإصدارات النقدية

أوضح الأستاذ ياسر الصبان أن النظرية النقدية راوحت ابتداءً من مطلع عصر النهضة في القرن السابع عشر وحتى يومنا هذا، بين التوسع في عرض النقود الورقية وبين استبدالها بالمعادن النفيسة وشبه النفيسة كالذهب والفضة، أو جعل الإصدارات النقدية الورقية مدعومة بالمعدن الواحد أو بالمعدنين. وقد عانت شعوب الدول الأوروبية في كل مرة كانت الحكومات تتوسع في عرض النقود، كما عانت في كل مرة كانت الحكومات تسحب السيولة من الأسواق بحجة لجم التضخم.

لكن القرن التاسع عشر تميز بالانفتاح العام والنمو الاقتصادي المتأثر بنجاح التجربة الليبرالية التي دعت إلى حرية العمل المطلقة، وحرية التملك وعدم تدخل الحكومات في الحياة الاقتصادية، لأنها تخضع لنظام طبيعي كفيل بتحقيق التوازن بين عناصره طبقاً لقواعد السوق الحرة والمنافسة. وقد أثبتت الرأسمالية النامية خلال القرن التاسع عشر فاعليتها، حيث تميزت بالإختراعات والإكتشافات العلمية، واستمرت هذه المرحلة لمدة قرن كامل وانتهت عشية اندلاع الحرب العالمية الأولى (سنة 1914).

انكلترا عانت الشعب الإنكليزي والمستعمرات من تضخم عنيف بسبب نفقات الحصار القارّي وحروب نابليون في الفترة م بين 1797 - 1811 حيث فرض مصرف انكلترا سعراً إجبارياً للجنيه الإسترليني الورقي ولم يصمد هذا السعر فانهار خلال سنة 1806 بنسبة 30%، واجتمعت بعدها لجنة انكليزية لبحث موضوع التضخم المالي ومعالجة أسبابه بمعاونة العالم الاقتصادي "ريكاردو". وأعادت تنظيم الإصدارات النقدية على أساس معدني كامل. وصدر قانون (بتاريخ 22 كانون الثاني 1816) قضى بالرجوع إلى قاعدة النقود الذهبية. وأصبحت بذلك المسكوكات الذهبية وحدها التي تتمتع بقوة الإبراء النهائية ومع ذلك إنهار صعر صرف الاسترليني لاحقاً..

أما فرنسا التي تعرضت لأسوأ حالات التضخم، بعد هزيمة نابليون، فقام فيها نظام نقدي إصلاحي (إصلاح بوانكاريه). وقد صدر قانون فرنسي (بتاريخ 20 آذار 1803) ألغيت بموجبه النقود الورقية واستبدلت بالنقود المعدنية (ذهب، فضة، وبرونز) واستحدث البنك المركزي الفرنسي ليكون رقيباً على المصارف التجارية الخاصة، ومنفذاً لبنود الإصلاح النقدي والاقتصادي. ومنعت المصارف التجارية من إصدار السيولات النقدية الائتمانية. وبذلك أصبح الاقتصادان الفرنسي والإنكليزي قائمين على قاعدة المعادن النفيسة. وقد حافظت النقود خلال تلك الفترة على خصائصها وأسباب وجودها، لكن المصارف المركزية المستحدثة لم تتمكن من الوقوف في وجه المصارف التجارية القادرة على توليد النقود الائتمانية، وتالياً توسيع حجم السيولة النقدية الكتابية، واسترجاع النقود الوهمية نقوداً حقيقية، ما تسبب بأزمات كان الإنكليز والفرنسيون يحلونها على حساب الدول الخاضعة لنفوذهم الإستعماري. واستمر الأمر على ما هو عليه من تجاور الثراء الفاحش مع الفقر المدقع في هاتين الدولتين، حتى برزت قوى إقليمية أخرى رأت وجوب حل مشاكلها الاقتصادية على حساب الدول المتخلفة والدخول في نادي الدول الإستعمارية، كألمانيا والنمسا وإيطاليا وروسيا وهولندا والبرتغال. وبذلك عاد الصراع بين الدول الأوروبية لاقتسام العالم النامي. وكانت الحرب العالمية الأولى مدخلاً لانهيار الأنظمة النقدية الإصلاحية، والسبب هو توسع الحكومات في توليد النقود الورقية الإستبدادية  (LegalTender) وتوسع قدرة البنوك التجارية تبعاً لذلك في توليد النقود الائتمانية الوهمية، ما أوجد حالة من التضخم المالي الجامح لسع بسياطه دول أوروبا عامة، والدول المهزومة خاصة.

وعن  الحرب العالمية يقول الصبان : "بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وبروز مشاكل الفقر والبطالة والتضخم المالي الجامح، عادت دول أوروبا إلى قاعدة الذهب، فاتبعت إنكلترا نظام السبائك الذهبية مقابل الإصدارات النقدية الورقية (في الفترة ما بين 1925 ـ 1930) في محاولة لاستعادة قيمة الجنيه الإسترليني طبقاً لمعايير ما قبل الحرب، واستعادة مكانة السوق المالي والنقدي في لندن وسيطرته السابقة على نظام الائتمان والتمويل الدولي، الذي فقدته بسبب عدم ثقة السوق المالي العالمي بالجنيه الإسترليني وزيادة الثقة بالدولار الأميركي الذي قام على قاعدة النسبية الذهبية الإحتياطية، التي طبقها المصرف الفديرالي الأميركي سنة 1912. وتقوم على أساس إصدار ثابت للدولار المغطى بـ 40% من قيمته بالذهب.

لكن هذا التحول إلى نظام تقييد الإصدارات النقدية وربطها بموجودات المصارف المركزية من السبائك الذهبية، أي الحد من ضخ السيولة النقدية الوطنية  دون الحد من ضخ السيولة الائتمانية المصرفية الصادرة عن البنوك التجارية والوسطاء الماليين، أوصل العالم إلى عنق الزجاجة، فحدثت أسوأ أزمة انكماش في الاقتصاد العالمي عبر التاريخ (سنة 1929) واستمرت حتى بروز المدرسة الكينزية. التي أعادت فكرة التوسع في الإنفاق الحكومي وضخ السيولة النقدية مع اتخاذ إجراءات اجتماعية متعددة. وكان الهدف من هذه الإصلاحات هو زيادة الطلب الإستهلاكي الفعّال على السلع المنتجة، عن طريق إعطاء قوة شرائية لمختلف جوانب المجتمع والفقيرة منه بخاصة.

لكن التوسع في الإنفاق الحكومي دون ضبط، بالتزامن مع ضخ كميات هائلة من النقد الائتماني الصادر عن البنوك التجارية، أوجد فجوة تضخمية كبيرة ولدت أزمة ثقة بين الحكومات العالمية في مجال التبادل التجاري الدولي، وتسببت أزمة الثقة باندلاع الحرب العالمية الثانية.

وقد استفاد الاقتصاد الأميركي من تحول الصناعات الكبرى والتجارة الدولية إلى أميركا خلال الحرب. وكان لثبات سعر صرف الدولار بحسب قانون النسبية (سنة 1912) أبعد الأثر في جعل الدولار عملة ذات صفة عالمية، لأن العالم وثق بها وجعلها احتياطياً لإصداراته النقدية. وهذا ما ثبت بقانون دولي وبشكل رسمي في أول عمل قامت به دول العالم غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية. حيث اجتمعت الدول المنتصرة بالحرب في "بريتون وودز" في شهر كانون الثاني من (سنة 1944) وأنشيء في المؤتمر صندوق النقد الدولي بهدف المحافظة على سعر صرف العملات العالمية. ووضعت أسس النظام النقدي العالمي بعد الحرب والذي كان من أهم مرتكزاته إيجاد سعر صرف ثابت للعملات حددت معدلاته بالنسبة إلى الدولار الأميركي، وهذا بدوره حدد سعره بالنسبة إلى الذهب. ومنعت الحكومات من السماح لعملاتها بتجاوز السعر المصرح به إلا في حدود 1% صعوداً أو هبوطاً. ما عدا الولايات المتحدة الأميركية، على أن يوافق أعضاء الصندوق رسمياً

ويتم بناء عليه تعديل قيمة صرف العملات بالنسبة للدولار الثابت. وقد أجبرت بعض الدول على تخفيض أسعار صرف عملاتها مثل فرنسا (سنة 1969) من 4.94 إلى 5.55 فرنك مقابل الدولار. والهند (سنة 1966) من 4.67 إلى 7.5 روبية للدولار الواحد. في حين ارتفع سعر صرف المارك الألماني الغربي من 4 إلى 3.66 ماركات للدولار الواحد.

ولكن هذا الإنتعاش الذي قام على وهم الثقة بالدولار وبالحكومة الأميركية، قطعه الرئيس نيكسون (في 15 آب 1971) بإعلان التراجع عن اتفاقية " بريتون وودز" وفك ارتباط الدولار بالذهب محملاً مسؤولية وكلفة الإنفاق الأميركي الباذخ، إلى جميع شعوب ودول العالم الغنية منها والفقيرة على السواء، التي وثقت بالتوقيع الأميركي على إتفاقية « بريتون وودز». وتحمل فقراء العالم مسؤولية العجز في موازنة الولايات المتحدة الأميركية. وتأتي في هذا السياق بعض الملاحظات المهمة:

 

وأكدإن الإصلاحات في النظام النقدي التي كانت تقوم بها الدول الكبرى بعد أزمات التضخم الحادة ما كانت إلا تمويهاً للحقيقة من أجل اكتساب ثقة الجمهور بالنقد الصادر عنها كوعاء للثروة، وسلب ثروة الأفراد والمجتمعات الذين يقعون ضحية ثقتهم بعملات الدول العالمية المصدرة للنقد العالمي.

وأشار إلي الأنظمة الإصدارات النقديةالإصلاحات التي كانت تحدث في أنظمة الإصدارات النقدية في الدول العظمى، أغفلت دائماً الوساطات المالية والبنوك التجارية وقدرتها على توليد السيولة وضخّها، وامتصاص ثمرات النمو في المجتمعات كافة بما فيها مجتمعات الدول العظمى. فكان كل اصلاح نقدي للأوضاع المالية التضخمية يحمل في داخله بذرة انهياره، وذلك بسبب ترك المجال مفتوحاً أمام المصارف التجارية لتوليد نقود ائتمانية وهمية. 

 

ويعتبرياسر صبان،  أن تاريخ النظرية النقدية راوح بين تجربة التوسع في الإنفاق العام وزيادة عرض النقود الذي يؤدي إلى التضخم الجائر، وبين تثبيت الأسعار على قاعدة الذهب أو العملات العالمية الذي يؤدي إلى الإنكماش المسيء والإفلاسات الحادة. ومع كل التجارب السالفة الذكر، ما زالت الدول تقع في المأزق نفسه. وهنا، فإن السؤال عن البدائل النقدية يطرح نفسه بنفسه وهو ما تسعى اليه الوساطات المالية من خلال النقد الرقمي أو الإلكتروني أو المشفر.

والواضح أن العالم مهيأ لاستقبال عملة عالمية جديدة يمكن الوثوق بها، شرط أن تكون قادرة على إثبات قدرتها على اختزان الثروة الكامنة فيها وحمايتها من التسرب. كما أنه من الواضح بأن هذه العملة لا تحتاج إلى تخزين أي ثروة من أي نوع كان مقابل إصدارها لأن تخزين الذهب أو العملات الأجنبية الأخرى أو التثبيت القسري لقيمتها يعتبر هدراً غير مقبول للثروة الانتاجية التي يجب أن تكون قيمة هذه العملة الجديدة محمية بها، فالغطاء الحقيقي لأي عملة هو حجم الطلب عليها، مع مراعاة التوازن بين زيادة كميتها والنمو الاقتصادي للمجتمعات. أي التمكن من ضخها بيسر وسهولة لتغطية احتياجات السوق من السيولة النقدية، لأن أي نوع من أنواع العملات يتمكن من حماية الثروة ولا يتعرض للتضخم سيكون مطلباً للمدخرين وملجأً آمناً للثروة، وبذلك ستتقلص كمية وجوده في الأسواق، مما سيتسبب بالإنكماش الاقتصادي.

 لذلك فإن تغطية احتياجات السوق من السيولة المالية هي أحد أسباب نجاح الاصدارات النقدية الورقية، لأن غياب النقود المطلوبة للتبادل التجاري يؤدي إلى أحد أمرين، فإما تتراجع حركة التبادل ويحدث انكماش اقتصادي، وإما أن يجد السوق لنفسه عملة بديلة، فيحقق مصدر العملة البديلة أرباحاً من مجرد وثوق الناس بإصداراته النقدية. فالأسواق بطبيعتها متحركة لا تهدأ ولا يمكن القبض عليها قسراً، لا عن طريق الحماية الإجبارية للإنتاج، ولا عن طريق التثبيت القسري لأسعار العملات، والحرية والمنافسة هما القانون الذي يتحكم بالأسواق، وأي تدخل قسري لا يؤدي إلا إلى الخسارة. 

 

 

المصدر: موقع اضاءات الاخباري