كتب الاستاذ حليم خاتون:
لا يحتاج المرء إلى الكثير من التحليل حتى يتوصل إلى أن استمرار الِانهيار الِاقتصادي سوف يدفع الأمور إلى حالات قصوى.
"أنا مُش كافر، بس الجوع كافر..." تقول إحدى أغنيات زياد الرحباني.
من الطبيعي أن تنتشر أعمال السرقة والِاحتيال وعدم الأمان في ظروف كالتي يعيشها لبنان.
في النظام الِاقتصادي الحرِّ القائم على ما يُسمّى المبادرة الفردية، تقوم الطبقات العليا من المجتمع، بنهبٍ مُقونَن للطبقات الشعبية.
هذا النهب يكون عادة جزئيا بحيث تبقى هذه الطبقات على قيد الحياة لتستمر في إنتاج رأسمال جديد، تعود الطبقات العليا لسرقة معظمه.
هكذا تدور عجلة الحياةفي المجتمعات الرأسمالية المتطورة.
في هذه المجتمعات، تحصل الطبقات الشعبية على بعض الِامتيازات لضمان استمرار إمكانية نهبها، كالطبابة والِاستشفاء والتعليم ومساعدات إسكانية وعطالة عن العمل... إلخ...
أما في المجتمعات الرأسمالية المتخلفة في العالم الثالث، ولبنان منها،فتتراوح الأمور من فقدان أية تقديمات على الإطلاق
إلى رمي بعض الفتات لِإسكات الناس وذَرِّ الرماد في العيون، كما كان يحصل في لبنان.
الطبقات العليا في المجتمعات الرأسمالية المتطورة تتخلى عن جزء مما تنهب،عبردفع ضرائب مباشرة على الثروة إلى السلطة التي تعود بدورها وتستعمل هذه الضرائب في التقديمات الِاجتماعية المذكورة أعلاه.
في لبنان، ولبنان من المجتمعات الريعية وغير المتطورة، قامت الطبقات العليا بإشراك الطبقات الشعبية في عملية النهب، عبر تقديمات لِإسكاتها، ولكنها كانت ترفض هي تمويل هذه التقديمات، كما يجري الحال في فرنسا مثلا.
معاينة الطبيب في ألمانيا مثلاً، هي حوالي ال 20 يورو، يدفعها الضمان أو التأمين، مرة واحدة كل ثلاثة أشهر لنفس المرض، بغض النظر عن عدد المراجعات.
بينما معاينة الأطباء في لبنان كانت تتراوح بين ال 15 وال 100 دولار. وعند كل مراجعة على المريض أن يدفع ما بين 10 و 75 دولار.
الطبيب في ألمانيا يُصرًح ولا يستطيع إخفاءعدد مرضاه، لأن ألمانيا كلها مُمَكننة، وعليه أن يدفع ضرائب لا تقل عن 49٪ من أرباحه.
الطبيب في لبنان لا يصرًح إلا بالنَّزر القليل من المرضى "ويقرط"(يُخفي) الباقي.
ما يجري مع الطبيب، يجري مع كل الشرائح الِاجتماعية.
في ألمانيا، اضطر رئيس الدولة الأسبق إلى الِاستقالة لأنه كلّف الدولة أقل من 1000 يورو، حين شارك في مهرجان البيرة في ميونيخ، فقيل له: إنّ الكلفة كان يجب أن تكون على مُنظًمي المهرجان إذا كانت هناك دعوة؛ وعليه هو شخصيا، إذا لم يكن هناك دعوة.
في لبنان، أقل رئيس نهب من، أو على حساب المال العام، عشرات ومئات وآلاف ملايين الدولارات، ورغم الأزمة لا زال مستمراً في النهب عبر السيطرة على كل مقدرات الدولة.
هنا، لا حاجة لا إلى الأسماء، ولا إلى كمية المبالغ المنهوبة، لأنه يجري دوماً قوننتها، كما حصل حين أصدرت حكومة السنيورة مرسوما بإلغاء ضريبة حصر الإرث لمدة 24 ساعة، قام أثناءها ورثة رفيق الحريري بالتهرب من دفع ما يقارب المليار دولار من الرسوم.
كم كانت حصة السنيورة من هذا المليار، مادياً ومعنويا؟
أو كما حصل عندما رفض مجلس النواب تبني قانون الكابيتال كونترول، ما سمح لطبقة ال 0.85٪ من كبار أغنياء اللبنانيين بتهريب مليارات الدولارات من الأرباح الفاحشة، بينهم، كما بيّن الدكتور حسن مقلِّد.
وليد جنبلاط الذي هرّب في مرة واحدة كُشفت، مبلغ 350 مليون دولار، وحيث تبين مؤخراً من القضاء السويسري أنّ حاكم مصرف لبنان الذي نصب كمينا للمغتربين اللبنانيين، لإيداع أموالهم في المصارف اللبنانية في حين قام هو بتهريب 400 مليون دولار وفقاً للقضاء السويسري.
استمر النهب المُنظّم منذ تأسيس لبنان الكبير؛ فلماذا وقع الإنهيار اليوم؟
الجواب بسيط:
إنه من جهةٍ، الفعل التراكميّ للنهب،
ومن جهة أخرى، التوحش في النهب الذي عرفته البلاد، منذ مجيء رفيق الحريري إلى السلطة ومعه الأربعين... صاحب.
في مقابلة جرت معه قبل حوالي السنة، قال الدكتور دان قزِّي، وهو بالمناسبة ليس يسارياً ولا اشتراكياً؛ قال: إننا ذاهبون الى وضع الMad Max، مشير اًبذلك إلى الفيلم الذي يحمل نفس هذا الِاسم، حيث تسيطر على الأحياء مجموعات من الرعاع الداعشي، لا يردعها شيء مع غياب سلطة لاهية باستمرارالنهب.
في علم الفيزياء، نتعلم أن ليس هناك عدم، وليس هناك فراغ.
عندما نتحدث عن نصف الكأس الممتلىء، هذا لا يعني أن النصف الثاني فارغ. النصف الثاني فيه هواء، بكل ما في الهواء من عناصر.
الشيء نفسه يحصل مع السلطة.
حين لا تقوم السلطة بممارسة عملها،بغضّ النظر عن ماهية هذا العمل ومدى مشروعيته؛يجب أن تقوم مباشرة سلطة بديلة.
لهذا، تدعو الثورات عادة إلى إقامة سلطات شعبية ثورية تقوم بإدارة الأمور وحماية الناس ومنع اللصوص من الهيمنة.
في الأمس، فوجئت بدعوة الكاتب سركيس نعّوم حزب الله الى التشارك مع الجيش في السيطرة على الأمور.
الكاتب نعّوم قريب من الأميريكيين ولا دخل له هو أيضا لا بكارل ماركس ولا بلينين.
إنه، على ما أعلم، من مؤيدي ما يسمى بالِاقتصاد الحر.
هل يمكن أن يطالب أصدقاء أمريكا حزب الله باستلام الحكم؟!
هل هو فخ؟
المنطق يقول: إنَّ القوة الأساسية في المجتمع يجب أن تسيطر على الأمور .
قد تكون المشاركة بين الحزب والجيش، هي إحدى الطرق لتجنب الِاقتتال المذهبي أو الطائفي.
ولكن الجيوش عادة ما تكون أداة حماية النظام القائم.
هل يريد الاستاذ سركيس من حزب الله حماية نظام النهب العام وحماية طبقة ال 0.85%؟
إن التشارك بين الجيش والمقاومة هو تشارك ضلعين من الأضلع الثلاثة لما يسميه الحزب،
المثلث الذهبي
جيش. شعب. مقاومة.
إن الجيش الخاضع بشكل كبير للإرادة الأميريكية، يُشكِّل عنصراً مهتزاً ضمن المثلث.
لكي يتم فعلاً إضافة الضلع الثالث، أي الشعب...يجب أن تُصبح السلطة شعبية..
والسلطة الشعبية لها قوانينها المختلفة 180°عن السلطة القائمة، منذ تأسيس لبنان الكبير.
طالما ظل رجال الحكم الذين توالوا على هذه السلطة موجودين على رأس هذه السلطة، يكون حزب الله عبارة عن حارس إضافي إلى جانب الجيش في حراسة اللصوص الكبار.
أي أن الأستاذ سركيس يريد من الحزب ملاحقة صغاراللصوص والمحتالين، وغضّ الطرف عن اللصوص الفعليين الكبار.
السلطة الشعبية تعني محاكم شعبية وأحيانا ميدانية.
السلطة الشعبية تعني مصادرة أملاك.. وسجن كل من لا يستطيع تبرير جلوسه على المليارات المنهوبة.
السلطة الشعبية تعني قضاءً ثورياً، وليس شرب فنجان قهوة مع رياض سلامة أوالسكوت عن تهريبات البيك.
هل هو فخ منصوب للحزب؟
فقط الأستاذ سركيس يستطيع الإجابة.
ماذا عن حزب الله؟
سلاح الحزب هو سلاح الشعب، ومن أجل الشعب.
هكذا كان، هكذا هو، وهكذا يجب أن يكون دوما.