كتب د. محمد كاظم المهاجر البعد الإستراتيجي والفكري، اللبنة الأساسية لصوابية البناء.
دراسات و أبحاث
كتب د. محمد كاظم المهاجر البعد الإستراتيجي والفكري، اللبنة الأساسية لصوابية البناء.
د.محمد كاظم المهاجر
28 كانون الثاني 2021 , 15:39 م
كتب د. محمد كاظم المهاجر:   المواقف الاستراتيجية لا تبنى على الأحداث الجزئية و النسبية , إذ لابد من إعطائها بعدهاالفكري والإستراتجي، كشرط أساسي لضمان صوابيتها. وانطلاقاً من ذلك تأتي مقالتي هذه ل

كتب د. محمد كاظم المهاجر:

 

المواقف الاستراتيجية لا تبنى على الأحداث الجزئية و النسبية , إذ لابد من إعطائها بعدهاالفكري والإستراتجي، كشرط أساسي لضمان صوابيتها. وانطلاقاً من ذلك تأتي مقالتي هذه لفهم أحداث معاصرة تعصف بمنطقتنا.

1- استحضار ما رشح من التو صيات السرية عن مؤتمر كامبل بنرمان:

 _ عام 1905 بريطانيا في أَوْجِ عظمتها تدعو مفكريها ومفكرين عرب، من بريطانيا وفرنسا و بلجيكا وإسبانيا ( فلاسفة , مؤرخين, علماء استشراق و اجتماع , جغرافيا واقتصاد)، دعتهم الى مؤتمر فكري سمي بمؤتمر كامبل بنرمان(نسبةً الى رئيس وزراء بريطانيا آنذاك).
ومن المشاركين في هذا المؤتمر : _ -البرفيسور جيمس ( صاحب كتاب زوال الأمبراطورية الرومانية )
-البروفسير لوي مادلين( صاحب كتاب نشؤ وزوال أمبراطورية نابليون)
-الاساتذة: لستر وسميث , ترنيخ وزهروف.

  _ موضوع المؤتمر هدف إلى وضع آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الغرب الاستعماري، وضمان السيادة والهيمنة للحضارة الغربية على العالم .
استمرت جلسات المؤتمر حتى عام1907،حيث درسوا حضارات العالم: نشوؤها وفكرها وتطورها وأبعادها العالمية. وخرجوا بوثيقة سميت:"وثيقة كامبل"،وهي عبارةعن تقرير استراتيجي وهو تقرير سري. ( المعروف أنّ وثائق دول الغرب،بعدمضي فترة تاريخية، منها ما يُكشف عنه كاملاً، ومنهاما يُكشف عنه جزئياً، حسب خطورة الموضوع وحضوره المعاصر , ومنها ما يُتلف، ومنها ما يبقى في سريته لضرورات التعامل المعاصر معه .
والتقرير المشار إليه هو من النوع الأخير، رغم أنّه مضى على صدوره أكثر من قرن، أي إنّه لايزال في نطاق التعامل معه. ولكن يبدوأنّ بعض توصياته قد تسربت من مفكرين غربيين . 
وتوثيقاً لدقة مصادري في إيراد هذا الموضوع أشير إلى اثنين معروفَيْنِ بدقة مصادرهما ومصداقيتهما, وهما: محمد حسنين هيكل، في كتابه (المفاوضات السرية وإسرائيل )، والمؤرخ المعروف مسعود ضاهر، في بحثٍ نشرته مجلة (البحث التاريخي _ سوريا)، العدد 7 عام 2003. 
ما أريد الإشارة إليه هنا عمّا جاء في الوثيقة، أو عن بعض ما رشح منها يأتي بالشكل التالي :
_قسموا بلدان العالم، حسب جغرافيتها وحضاراتها وعلاقاتها بالحضارة الغربية، إلى:


_دول الحضارة الغربية(أوروباوأمريكا الشمالية وأوستراليا)، والواجب حيال هذه الدول، دعمها مادياً وتقنياً.
 _دول أمريكاالجنوبية اليابان،كوريا، وغبرها من الدول،التي سموها صفراء، لاتقع ضمن الحضارة الغربية، لكن لايوجدتصادم حضاري معها،ولاتشكل تهديداً للحضارة الغربية، بل يمكن احتوائها واستيعابها.
_الدول العربيةخاصةً والاسلامية عامة  . دول تتصادم حضارياً مع الحضارة الغربية وتشكل تهديداً  لتفوقها، ولوكانت قد مرت بمرحلة انحطاط، إلّا أنّها تحمل بذور الفكر الاسلامي الناهض، الذي يشكل عامل التهديد الأساسي لسيادة الحضارة الغربية  . والواجب تجاهها هو: حرمانها من اكتساب العلوم والمعارف التقنية، ومحاربتها بشتى الوسائل الممكنة، لمنع أيّ نهوض حضاريٍّ حديث لها , وإبقاء شعوبها مفككة،جاهلةومتأخرة.
_ من التوصيات التي وردت في الوثيقة مبادىء يبقى حضورها لدى دول الغرب، على مدى الزمن: قانون التفوق، قانون المصلحة وقانون السيطرة والهيمنه , ومقرونةً بشرحٍ فكريٍّ، في استخدام الأساليب الممكنةلضمان سريان هذه القوانين التي تخدم الهيمنة الغربية.
_ أولى النتائج التي أخذت سياقاتها العملية، وفقاً لتوصيات مؤتمركامبل كان: "اتفاق سايكس _ بيكو"عام1916 وتجزئة الوطن العربي  تلاه"وعد بلفور" عام 1917،وبالتالي التمهيد لوجودالكيان الصهيوني،وتقديم كل الدعم والضمان بأن يكون القوة الإقليمية المسيطرة، كامتداد للهيمنة الغربية، بعد تحالف"الوايت إنكلو سكسون بروتستانت"  
(wesp)مع الصهيونية.
2 _ من روحية ومنهج مؤتمركامبل وبنرمان، نشير إلى منطلقات إستراتيجية معاصرة، كخلفية لمشاريع تفضي إلى الهيمنة الغربية، لا على سبيل الحصر، بل للدلالة :  -مستشارالأمن القومي الأمريكي بريجنسكي يضع استراتيجيةمايسمى: "الضرب أسفل الجدار"، ويورد، من أجل هدم بنيان الهيكل الِاجتماعي والفكري للعالم العربي والإسلامي، لابد من الضرب أسفل جدار التكوين الفكري والاجتماعي، وأسفل الجدار العميق في وجدان الانسان، هو الدين والقومية، وبالتالي لابد من هدم الدين والقومية لينهار  الجداروتعم الفوضى، وبالتالي سيكون المدخل للغرب،لإعادة البناء وفق متطلباته المهيمنة .
ومن نتائج هذه الإستراتيجية في سياقها العملي، توليد المنظمات الإرهابية: القاعدة وداعش وأخواتهما، تشويهاً للحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، قتلاً لمنظومة القِيَم الإسلامية، بانتشار الطائفية.
وكذلك على المستوى القومي، نشر الصراعات الحدودية ومشاكل الأقَلِّيّات، وترسيخ المنطلق القُطْري تقديماً على مصلحة قومية . 
 _ كيسنجر في كتابه:(النظام العالمي)، المترجم إلى العربية، والمنشور عام 2018 , يقول: 
إنّ أمبراطوريتان عظيمتان  مهيمنتان , الأمبراطوريّة البيزنطية والامبراطورية الساسانية، فكيف استطاعت، في ظلهما، مجموعة صغيرة من المسلمين أن تنطلق وتقدم أساطير في المقدرة، وتنشر الاسلام في قارات العالم، خلال فترة زمنية وجيزة؟!
إنّ هذا الحدث التاريخي لايمكن أن يتقبّله عقل أومنطق رصين،ولايمكن تفسير هذا الحدث سوى بِردِّه إلى الروح الإيمانية الرّبّانية التي غرسها الإسلام في نفوس المسلمين، وانعكست في نفوسهم قوة ومنعة واقتداراً وتضحية، وبالتالي في تاريخنا المعاصر اذا كان لابد من اخضاع المنطقة العربية والإسلامية، للهيمنة الغربية، فلابد من قتل هذه الروح الإيمانية، كشرط أساسٍ لمنع النهوض، كما يقول كيسنجر . ( الان اثناء كتابتي لهذه المقالة، بعد منتصف الليل وردني بالواتساب من أحد الأصدقاء خبرُ لقاء كيسنجر مع ديلي سكيب، يتحدث فيه عن حرب عالمية ثالثة  تقوم فيها "إسرائيل" وأمريكا، وبإسنادٍ غربيٍّ، بإبادة إيران وسبع دول عربية ).

 على كل اتابع مقالتي ولنا مقال آخر لاحقا حول الموضوع .
_اشارة هامة تتصل في روحيتها مع سياقات كامبل-بنرمان، فقد أرسل لي صديق قائمة بأسماء أكثر من 320 عالماً عربياً ومسلماً، جرى اغتيالهم على أيدي أجهزة الاستخبارات الغربية، والصهيونية، بالإضافة إلى الأعداد الهائلة من العلماء، العرب والمسلمين، الذين اختطفوا إلى أمريكا،أو جرى منعهم من مغادرةبلادالغرب.

_ في وضعنا الحالي، وبعد سقوط مشروع الشرق الأوسط الجديد، يأتي المشروع الشمولي الإستراتيجي الأكثر خطورةً، والّذي عُرف باسم صفقة القرن . فما هي الأدوات المساندة ومساراتها لهذه الصفقة؟
 وماهو مدى صوابية المواقف العربية والإسلامية إزاءها؟ ومن أجل قضيةالعرب والمسلمين المركزية، دائماً، قضية فلسطين ( سنتابع في مقالٍ لاحقٍ إن شاء الله).

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري