كتب الاستاذ حليم خاتون:
منذ الإنسان الأول، حدّثتنا
القصص والأساطير عن قتل الإنسان لمخلوقات الله، ومنها قتله لأناس آخرين (قصة قابيل وهابيل...مثلا).
القتل قد يكون طلبا للغذاء، أو دفاعا عن النفس، أو .... استجلابا لفائدة أو مصلحة ما.
عرفنا في التاريخ الكثير من الإغتيالات لرؤساء وملوك وأباطرة، كان لهم في حياة أممهم الكثير من التأثير، مثل قيصر روما يوليوس، وابراهام لينكولن، الرابح في الحرب الأهلية الأميريكية، وجون ف. كينيدي، أول رئيس كاثوليكي في الولايات المتحدة والذي تم لفلفة كامل ملف التحقيق في اغتياله للتعمية وعدم الوصول إلى الحقيقة...
لكن الإغتيال السياسي لم يقتصر على من هم في سدّة الحكم فقط، بل طاول أيضا الكثيرين من عامّة الناس، ولأسباب مُختلفة يصعب حصرها.
إذا كان التاريخ قد أظهر قاتل يوليوس قيصر أو قاتل ولي عهد النمسا ما أعطى الحرب العالمية الأولى أحد أسبابها المباشرة، فإن معظم الإغتيالات بقيت مجهولة، ويتيمة الأب والأم.
القاسم المشترك بين كل الأغتيالات، كان بالتأكيد،
وجود مصلحة وفائدة لطرف ما يبغي الحصول عليه من وراء هذا العمل أو ذاك.
لذلك، يجب دوما، وقبل اي شيء، معرفة وتحديد المستفيد الأول من الإغتيال قبل توجيه أية تهمة.
لو فرضنا جدلا أن أحدا ما اغتال دونالد ترامب...
بالتأكيد سوف يتجه الإتهام فورا صوب إيران.
قد تجد أن تسعين في المئة من الشعب الإيراني يكره هذا التافه ويتمنّى قتله.
لكن السؤال هو، هل تستفيد إيران الدولة من إغتيال أحد أغبى رؤساء عدوها اللدود؟
لم ولن يأتي إلى سدّة الرئاسة في أميركا أحد أكثر عنصرية وأكثر تحريضا على الكراهية والعنف من دونالد ترامب.
ترامب في الحقيقة أسهم في تقسيم أميريكا إلى معسكرين كبيرين لا بدّ أن يتواجها يوما، وقد تصل هذه المواجهة إلى حرب أهلية يتقاتل فيها خصمان لإيران هما، العنصريون البيض من جهة والدولة العميقة من جهة أخرى ما سوف يريح إيران وكل المستضعفين في الأرض ( صراع الظالمين فيما بينهم هو دوما لمصلحة المظلوم).
إن اغتيال ترامب، رغم كره الإيرانيين له وربما فرح الكثيرين لهكذا خبر،
هو بالتأكيد في غير مصلحة إيران اليوم.
رغم كره الفلسطينيين ومعه كل شرفاء الأمّة لدونالد ترامب، يجب تبيان أن أحدا لم يذل أهل الذل من العربان أكثر من هذا الرجل؛ كما أن أحدا لم يساعد على فرز الشارع "السُني القومي الوطني"
عن أنظمة وأحزاب وتيارات عرب الخيانة، ويساهم تاليا بوحدة المقاومين بغض النظر عن الإنتماء المذهبي، أكثر مما فعل ترامب.
في لحظات معينة، ربما يكون من الأفضل حماية كلب ما من الٱغتيال لما قد يجره هذا الإغتيال من عواقب وخيمة على المجتمع.
كان رفيق الحريري رجل فرنسا والسعودية في لبنان.
مصالح رفيق الحريري كانت مترابطة مع مصالح الغرب إلى درجة الترويج إلى أي نوع من التسوية في القضية الفلسطينية.
عمل رفيق الحريري على تسهيل وتوفير كل شيء لمبادرة ما سُمي يومها بمبادرة "الملك" عبدالله للسلام.
كانت المبادرة تعني تخلًي الفلسطينيين عن كل شيء، بما في ذلك حق العودة.
كل شيء كان مرتّبا، بما في ذلك موافقة منظمة التحرير الفلسطينية.
كان الحريري والسعوديون قد وضّبوا الأمور مع القيادة السورية في لبنان.
شخص واحد فقط هو الرئيس إميل لحّود انتبه ورفض تمرير الصفقة.
أميل لحّود، الرئيس المدعوم من المقاومة وبشّار الأسد أفشل مخطّطات الغرب والسعودية ورفيق الحريري.
رفيق الحريري، رغم كل مساوئه وارتباط رأسماله مع الرأسمالية العالمية الصهيونية ضمن الإقتصاد المُعولَم، كان حريصا على منع أي فتنة سُنيّة شيعية في لبنان.
دوائر القرار الصهيونية في أميريكا وبريطانيا والكيان كانت تعرف أن ضرب المقاومة ولحّود وبشّار الأسد لا بد أن يمر عبر فتنة سُنيّة شيعية.
أفضل وسيلة لذلك، مع ضرب عدة عصافير بحجر واحد، كان اغتيال رفيق الحريري.
تم تحييد فرنسا، واستغفال وترتيب الموقف السعودي، مباشرة بعد اغتيال الحريري الأب.
كان من الطبيعي واستنادا إلى مسلسل الخلافات بين رفيق الحريري ولحّود وسوريا أن يتمّ اتهامهما فورا، بهذا الإغتيال.
وبفضل الغوغائية التي قادها رجل الإمبريالية الاول في لبنان، وليد جنبلاط، وعميل ال CIA
فؤاد السنيورة، أوقظت الفتنة السنية الشيعية بعد سبات طويل، وطويل جدا.
وفي كل مرّة كانت الإمبريالية تحتاج إلى مزيد من الدم لصبّ الزيت على النار، كانت تعمل على اغتيال ما يؤجج الغضب في 14 آذار، آملة بأن تفلت الشوارع على بعضها، مُتكلة على ازلامها من جماعة جنبلاط والسنيورة.
إذا كانت الإمبريالية ضحّت برفيق الحريري وهو من هو على الساحتين المحلية والإقليمية وله ارتباطات مع قوى عالمية، ألن تعمل الشيء نفسه وأكثر مع نكرة، كل رأسماله، وكل رصيده هو حقد على المقاومة والمقاومين؟
أكثر من 90٪ من بيئة المقاومة لم يسمعوا باسم لقمان هذا.
تأثيره قد لا يتعدّى حلقة ضيّقة، وضيّقة جدا من أمثاله.
حتى ديما الهبلة تفوقه
شهرة، وكذلك نديم قطيش اللذان ينطلقان من أبواق إعلامية في نفث السموم.
لقمان حرف ناقص في وضع ناقص فشل في استمرار الكذب على الإماراتيين والأميركيين كما يتبين لنا بعد مقتله،
ببساطة لأن الأغلبية، أكثر من العُظمى من جماعة المقاومة لا يعرفونه، وكل تأثيره بالكاد يتجاوز مرآة الحمّام في بيته.
ربما بضعة جيران يعرفون من هو لقمان.
ربما دفع ثمن فشله أو عدم صرفه المال حيث أراد مشغّلوه صرفه لأذية المقاومة.
من اتخذ قرار قتله، دبّر قصة ليست صعبة التأليف.
أُرسل لقمان إلى الجنوب، عرين المُقاومة.
وُضعت الخطة لإظهار أن القتلَ حصل في قلب عرين الأسد.
هذا ليس على الإطلاق صعبا. فلبنان مليء بالعملاء الموجودين في كل أحزاب وتيارات 14 آذار، وليس صعبا أن يكونوا أيضا من 8 أو حتى من القوى الأمنية التابعة إلى حدّ كبير لأمريكا وبريطانيا.
فور حدوث القتل، اُستنفرت كل ال NGO's
لتوجيه التهمة الى حزب الله.
لقمان لم يكن حتى يُمثل جناح بعوضة في بيئة المقاومة.
درس مشغّلو لقمان الأمر وتوصلوا إلى تلك المعادلة نفسها التي توصلوا إليها مع غيرها من عمليات القتل:
هذا الشخص يخدم أعداء المقاومة بمماته أكثر مما كان يمثل في حياته.
جرى الإغتيال وبدأت الأبواق.
على هؤلاء الأغبياء تحسّس رقابهم خوفا من أسيادهم ومشغّليهم،
وليس من مقاومة لا تراهم اصلا.



