كتب الأستاذ حليم خاتون:
يكفي أن تكتب كلمتين "تنشر" بهما "عرض" الحزب، حتى تحصل على آلاف الليكات من مجموع التافهين الذين لا يزيد وزن المنطق عندهم، وزن كامل عقل ديما صادق الذي لا يزيد بدوره، عن وزن جناح بعوضة.
أما إذا نشرتَ مديحا لحزب الله، حتى ولو كان لا يمت إلى الواقع بصلة، أو أبحرت في عالم الغيب لتصل إلى أن السيد قد يكون هو المهدي المُنتظر؛
عندها سوف تجد الآلاف من علامات الإعجاب والموافقة من أناس بلغت بهم البساطة الفكرية حدّ عدم التفكير خارج العلبة الحزبية مع كل ما يعنيه هذا من ضحالة في العقل، مأسوف عليها.
قد يعتقد البعض أن فيما سبق بعض المبالغة.
لا، ليس هناك مبالغة ولا مَن يُبالغون؛ إنه لبنان، بلد العجائب مرة أخرى وأخرى.
في لبنان، الكل يفهم في كل شيء.
الكل خبير عسكري ومحلل سياسي وباحث اكاديمي في شؤون الكورونا وهلمَّ جرّا...
لكن القصة ليست هنا.
القصة مثلا...
عند المعادين للمقاومة، ولكل ما تمثله هذه المقاومة؛ هؤلاء، ليسوا من البسطاء كما قد يعتقد البعض؛ إنهم نتيجة بناء فكري موجود عند كل الشعوب وفي كل الأزمان.
إنه فكر "حب الحياة".
إذا أخذنا المقاومة الفرنسية إبّان الإحتلال النازي لبلاد الغال، نجد الأكثرية العظمى من الفرنسيين غير متعاطفين مع هذه المقاومة، وهم، انطلاقا من نظرية "حبّ الحياة" غير المكتوبة وغير المنشورة في الكتب المقدّسة، هم يريدون فقط المشي "جنب" الحائط وطلب السترة.
وما نُشر عن هذه المقاومة يدلُّ بوضوح أنها بالكاد كانت تحوز على تعاطف 20٪ من الشعب الفرنسي،رغم أنها السبب الحقيقي وراء كرامة فرنسا وعزتها اليوم.
قد يكون الخونة والنازيون الفرنسيون 10 أو أقل في المئة؛ فماذا عن ال90٪ الباقين؟
إنهم الهامشيون.
بمعنى آخر، هم يعيشون على هامش الحياة.
عندما تقوم المقاومة بعملية ما، ويتعطل تسلسل حياتهم الطبيعي، يغضبون من المقاومة.
وعندما تظهر وجهة نظر تنتقد العملية، يتعاطفون مع وجهة النظر هذه، لأنهم من جماعة هامش الحياة، السطحيين.
في لبنان، هؤلاء موجودون أيضا.
يسمّون أنفسهم بعشاق الحياة.
أحيانا قد يكرهون المقاومة على أساس ديني كما جماعة بشير من فقراء المسيحيين مثلا، وأحيانا على أساس مذهبي، كما الكثيرون من اهلنا في الشمال أو طريق الجديدة، الذين لو كان السيد حسن سُنيّا، لكانوا مستعدّين "للموت فدا السيد".
طبعا، هناك أيضا من هو ضدّ المقاومة لأنه ينتمي بالوعي إلى الفكر المضاد.
مي شدياق مثلا ليست بتفاهة ديما صادق، كذلك نديم قطيش ولقمان سليم.
هؤلاء معادون للمقاومة من موقع المصلحة الطبقية والإرتهان للعظمة الأميريكية ومن بعدها لأكياس المال العربية ممّن يتبع أميريكا.
هؤلاء عادة لا يرسلون الليكات، هؤلاء "يغرًدون ليحصلوا على الليكات؛ ليكات، يقبضون هم، ثمنها.
طبقيّاً، هؤلاء يريدون خراب البلد.
بنظرهم إذا لم يكن لبنان لهم وحدهم، فلا بأس من تخريبه وتحميل المقاومة المسؤولية.
هم يكونون بخير طالما سيدهم الأمريكي بخير،حتى لو كانوا في واقع الأمر تحت الحذاء؛ لكنَّهم، تحت الحذاء الأميريكي، يشعرون بالسعادة المطلقة.
هذا مع معسكر أو بيئة أعداء المقاومة. في لبنان، وزنهم ناتج فقط عن هذا العداء.
الأمريكي يعطيهم أهميّة، فقط من هذا المنطلق.
وحسناً يفعل الحزب، عندما لا يراهم.
ماذا عن بيئة المقاومة؟
في بداية الحرب الأهلية سنة 1975، فوجئت بقريبٍ لي يواجهني بقوله لي:
صحيح إنك قريبي، لكنّي أشعر أن الكتائبي أقرب إليّ منك.
شعار الكتائب هو الله، الوطن، العائلة.
أنت يساري مُلحد لا تؤمن بالله، وقد استبدلتَ بالوطن الأمميّة، وبالعائلة العلاقات الرفاقيّة.
قريبي هذا الذي كان معاديا للمقاومة واليسار في ذلك الزمن، هو اليوم من أنصار المقاومة، وحزب الله تحديدا.
قريبي هذا يمثل شريحة واسعة من بيئة المقاومة.
هؤلاء يؤيّدون الحزب لأسباب، أكثرها ديني مذهبي.
هذا لا يعني أنهم قابلون للخيانة.
علاقتهم بالمقاومة بدأت مذهبية، واستطاع الحزب تطويرها لتشمل فلسطين، لكن، أيضا من منطلق ديني يتعلق ببيت المقدس خصوصا.
في سوريا، قاتل هؤلاء دفاعاعن مقام السيدة زينب،واستطاع الحزب تطوير هذا الإيمان وهذه الحميّة، لتشمل الدفاع عن مقدسات المسيحيين أتباع
عيسى، نبي الله.
المشكلة مع هؤلاء، أنهم ينطلقون دوماً من منطلقات غيبيّة ولا يستطيعون التفكير خارج العلبة الحزبية.
المقاومة، مثلها مثل أي جيش، تحتاج إلى وقود.
هؤلاء يشكّلون أحد أهمّ أنواع وقود الحرب.
لكن المشكلة تبدأ حين يتطلّب الأمر منهم التفكير.
هم ينتظرون فتوى أو اجتهادًا أو موقفًا من القيادة.
عندما يكون السيد حسن هو القائد، لا نواجه مشكلة.
لكن كيف كان الوضع أيام الطفيلي، وماذا إذا جاء يوماً ما طفيلي آخر؟
جميل جداً الحماس لفلسطين من أجل قيمتها الدينية، لكن ماذا عن قيمة فلسطين الإنسانية؟
هؤلاء، إن أخطأ قائد في معركة أو موقف، ولا أحد معصوم عن الخطأ؛ هؤلاء يمشون "على العمياني".
منذ بعض الوقت، تواجد الأخ حُسام مطر في ندوة ضمّت الوزير شربل نحّاس.
كانت الندوة جديرة فعلاً بالمتابعة.
لكن بعض العقول المُعلّبة لم تستطع هضم ما حصل.
شربل نحّاس"شيطان" غير معلن.
صحيح أن الوزير نحّاس لم يتوقف عن ارتكاب الهفوات والأخطاء، وأن إصراره على حشر المقاومة في نادي الزعماء الستة المُمسكين بالبلد غير مُطابق للواقع بالمطلق؛ إذ إنّ للمقاومة دوراً أيضاً في السلطة وتعطي، من حيث لا تدري،وقتاً ضائعا للفاسدين.
إلا أنَّ أحداً لا يستطيع أن ينفي عن الوزير نحّاس أنه أحد أكثر الناس وضوحا في رؤية الأزمة اللبنانية، وفي طرح حلول لها لا تؤذي الفقراء والمساكين.
ذلك بعكس الكثيرين القريبين من المقاومة، الذين لم يتوقفوا يوما عن حماية أركان الفساد والتعاون معه.
نفس الأمر حصل مع المفكر والكاتب د. حبيب فياض.
لم يستطع أصحاب العقول المعلّبة هضم بعض النقد البنّاء، فسارع البعض إلى لومه إلى حدّ التكفير.
عندما كان جمال عبد الناصر حيّاً، ظلّت الثورة المصرية حيّة، وظلّت مصر أم الدنيا بكل المعاني العاطفيّة والماديّة.
لم يكن أحد يتجرّأ لا على تطبيع، ولا حتى على لقاء مع الصهاينة.
مات عبدالناصر، فماتت ثورة يوليو التي حوّلها انور السادات الى مجد شخصيّ له، وحوّل الإتحاد الِاشتراكي إلى مجموعة من الأتباع الزبائنيين الحقيرين.
مات عبد الناصر فماتت ثورة يوليو، وصارت مصر محميّة أميركيّة، واقتصرت أمومتها على الناحية العاطفية والكلامية، ليس إلّا.
صارت ابو ظبي وابن سلمان يقرّران متى تتنفّس مصر ومتى تحبس الأنفاس.
تحوّلت أفريقيا إلى ساحة لعب إسرائيلية.
وصار كلّ كلب عربي ينبح كما يشاء.
حزب الله أسّس مقاومة عظيمة.
بدأت عظمتها مع أحمد قصير والشيخ راغب حرب واكملت بهمّة عماد مغنية وبقية الشهداء القادة.
تحت قيادة السيد حسن، وبمعاونة كبير الشهداء وعظيمهم دون استثناء، قاسم سليماني، تشقّ هذه المقاومة الصخر في اتجاه فلسطين.
هذه المقاومة.... هل ندعها تابعة بالعاطفة إلى قيادة عظيمة ولكن ليست خالدة
وأزلية.
للمقاومة اليوم سندان لا يمكن تعويضهما بسهولة أطال الله في اعمارهما،
السيد حسن، والإمام الخامنئي.
فلنتصور فقط مرشدا للثورة في إيران من وزن نصف"إصلاحي"؟
تلك سوف تكون كارثة،على إيران،وعلى المحور كله.
من أجل هذا؛ من أجل محورٍ قويٍّ لا يتزعزع عن المواقف المبدئيّة ولكي لا نرى ساداتاً آخر في المقاومة، أو في إيران، ولكي لا يصبح الحرس الثوري إتحاداً اشتراكياً آخر، ولكي لا نصل يوماً إلى أوسلو أو كامب ديفيد
جديد، على المقاومة تطوير، ليس فقط مؤسساتها فالمؤسسات كانت موجودة في مصر؛
على المقاومة تطوير كلّ فرد من جمهورها وأعضائها حتى تصبح كلّ العقول حرّةتعتنق القضايا من موقع إنساني وثوري، وليس فقط ديني.
البداية تكون هنا، من لبنان، في لبنان، ومن أجل شعب لبنان، كل شعب لبنان بمختلف مشاربه.
إذا نجحنا هنا، أكيد سوف ننجح في اليمن وفي سوريا وفي العراق.... وأكيد في فلسطين