كتب حليم خاتون:
يتميز اليسار في لبنان بأنه "مخلوطة" عادي جدا.
مخلوطة من كل أنواع البزورات.
مخلوطة، كلما تقدم الزمن، قلّت نسبة الإكسترا فيها لصالح البزر والقضامي.
القول: إن اليسار في لبنان بخير، هو فعلا، فيل طائر عاليا في السماء.
ولكنّ وضع كل اليسار في سلّة واحدة، كما يفعل بعض الإخوة من بيئة المقاومة، هو التعمية بعينها، بل هو الهروب من مواجهة المأزق الذي لا تجد له المقاومة من حلّ، فتستمر بالركض إلى الأمام مغمضة العينين لا تريد رؤية الحقائق الموجودة على الأرض، مكتفية بتقييمها للقوى، وكأننا لا زلنا في الثمانينيات.
لم يكن اليسار يوماً مشرذما في لبنان كما هو اليوم.
هذا لا يعني طبعا، أنه كان في يوم من الأيام على ما يرام.
في لبنان عدة اتجاهات لليسار:الماركسيون، القوميون العرب، والقوميون السوريون وغيرهم.
لكل اتجاه من هذه الِاتجاهات زلاّته، منذ تواجد في لبنان وحتى اليوم.
من الممكن طبعا، وربما يجب تناول تاريخ كل حزب من هذا اليسار، للوصول إلى سبب المرض الذي يضربه ويجعل منه قوة هامشية بالكاد تستطيع قياداتها تملك ولو 10 في المئة من الكاريزما الواجب تملكها حتى تبقى على قيد الحياة.
إجراء بحث عن تركيبة هذه الِاتجاهات اليسارية وتحليل تركيبتها، هو شأن كل اتجاه وكل حزب من هذا اليسار، إذا أراد البقاءعلى قيد الحياة، وإذا أراد فعلا السمو بالمجتمع وعدم الِاكتفاء بالتقزّم كل يوم أكثر.
لهذا وجدت المؤتمرات الدورية التي يبدو أن القيادات الحالية لهذا اليسار جعلت منها مناسبات اجتماعية، كالأعراس ومهرجانات الكوكتيل.
منذ الستينيات من القرن الماضي، تجاوزت معظم القوى اليسارية مآزقها واستطاعت التوحّد تحت خيمة كمال جنبلاط، الذي كان بدوره خليطا من الإقطاعية الدرزية والفلسفات اللاعنفية الهندية القديمة، والأممية المشوّهة التابعة للِاشتراكية الدولية التابعة بدورها لحلف شمال الأطلسي.
ولأنه يسارٌ وُلِد مُشوّهاً وقبل اكتمال النمو، حمل معه من الأمراض ما نعرفه وما لا نعرفه.
المهم، أن هذا اليسار رسا، بعد طول تخبّط، على الدفاع عن حقوق الطبقات الفقيرة اجتماعياًوعلى العمل من أجل فلسطين سياسيا وقوميا.
إذاً، كل من لا يلتزم بهذين المسارين: فلسطين والطبقات المسحوقة، لا يحق له الِانتماء إلى اليسار.
على هذا الاساس، ومن هذين الموقفين، يجب الِانطلاق.
لذلك، ودون أي تورية، لا يجب القبول بأي يسار تابع للمعسكر الأميريكي، أو يتموّل من أكياس المال الخليجية.
يستطيع إلياس عطاالله الصراخ حتى المدى، وتذكيرنا بأنه كان في قيادة الحزب الشيوعي اللبناني يوماً.
هذا لن يجعل منه أكثر من يساريٍّ خائن، أو يساري عميل لمن خدم أيام ماسُمي ثورة الأرز التي لم تكن سوى فيلمٍ أمريكيٍ طويل، لا يزال يلعب على الساحتين اللبنانية والعربية.
أمثال إلياس عطاالله كُثُر؛منهم من خرج من الحزب الشيوعي ومنهم من لايزال يُنَظِّرُ، بغير قيم اليسار.
أمثال إلياس عطاالله موجودون أيضا في الحركات الناصرية وفي الحزب القومي.
أمّا منظمة العمل الشيوعي، فيبدو أنها ماتت على يد محسن ابراهيم، حين صار مرافقاً لوليد جنبلاط ومدافعاً عن أوسلو وعبقرية اليمين الفلسطيني.
كل هذا التشوّه صحيح.
لكن هل يعطي هذا الواقع الحقّ لمهاجمة اليسار، كيفما كان، وكما يفعل بعض المُتحجّرين الذين وتحت غطاء أزمة اليسار يهاجمون جهات، مهما كانت صغيرة، لكنها الأقرب إلى مواقف المقاومة.
إن الهجوم على هذا اليسار يهدف بشكل أساسي إلى تبرير الِاستمرار في وضعية اللّافعل، على الصعيد الداخلي في لبنان، لا بل وتبرير التواجد في سلطةمؤلّفةمن القوى التي نهبت البلدوعاثت فيه فسادا.
المفروض بالمقاومة، أن تكون هي ذلك اليسار، بدل اليسار الذي فشل.
المقاومة اليوم هي نصف يسار.
هي اليسار الملتزم بقضية فلسطين، لكنها ورغم كل الكلام الذي لا يؤدّي إلى أي مكان، لا تبدو ملتزمة بالدفاع عن الطبقات المسحوقة في لبنان.
ما تقوم به المقاومة، لا يزيد عن التشبّه بالأعمال الفردية التي يقوم بها بعض المتموّلين في مساعدة أهاليهم.
هذا قد يكون مطلوباً من المقاومة مرحليا، لكن المطلوب منها فعليا، هو القيام بواجبها سلطويا، وعدم الِاختباء وراء تبريراتٍ لا تُسمن ولا تُغني عن جوع.
من السهل مهاجمة شربل نحاس، أو انتقاد أسامة سعد، والِاثنان يستحقّان كلّ النقد، بسبب ما قالاه في لحظاتِ تخلٍّ جنبلاطية.
لكن ماذا عن المقاومة؟
إلى متى يستمر النوم على انهيار المجتمع؟
إذا كان الكاتب سركيس نعوم طالب المقاومة باستلام السلطة، فكيف بالأحرى بمَن لا يرى في لبنان غيرهذه المقاومة؟