كتب الأستاذ حليم خاتون:
رغم الهدوء الزائد الذي اتسمت به كلمة السيد نصرالله في ذكرى القادةالشهداء، لا زالت بعض الحيرة تلفّ عُشّاق الشهادة من المقاومين بعد تحذيرات السيد للعدو من اللعب بالنار، وكأننا بالسيد لا يريد حرباً هم ينتظرونها ليل نهار، ولايرون عنها بديلا.
صحيح أن إعلام المقاومة لم يتوقف عن التطبيل، ويذكرنا أحيانا بإعلام أحمد سعيد أيام نكسة حزيران 67، إلا أن خروج الوثائقي عن إحداثيات المواقع العسكرية الصهيونية في المناطق المدنية في فلسطين المحتلة، ساعد قليلا في التغطية على هذا النوع من التهليل، بدلا عن التحليل الذي لا بدّ منه للإرتفاع بالوعي السياسي التحليلي عند جمهور المقاومة، وانتزاعه من براثن الجاهلية والتبعية في الإيمان.
المقاومة تحتاج إلى عقول حرّة في إيمانها أكثر من حاجتها لأناس مؤمنين في تبعيتهم.
ولأن جَلْد الذات من المحرّمات، لا يمكن عدم إعطاء هذا الإعلام المقاوم حقّه في لحظات محدّدة كما حصل مع الحاجّة كاملة سمحات أثناء حرب تموز، والتي رفعت بكلمات بسيطة جهوزية شعب المقاومة في التضحية إلى مستويات ناطحت السحب
نفس الأمر ينطبق على لقطة تعبير السيدة ريم حيدر في إعلانها رفض الِاستمرار في الخضوع الخضوع لقدر الذل والِاحتلال، والتي دفعت بدورها الجمهور الرمادي إلى الإحساس بالذنب على رماديته تلك أثناء الحرب.
الخطأ الذي وقع فيه الإعلام المقاوم، هو التركيز على إنذار السيد للعدو من اي مغامرة بأيّام قتالية، لأن قوّة الردع جاهزة، فظهر السيد نصرالله وكأنّه لا يريد الحرب، ويكتفي بالردع.
هذا يعيدنا إلى حرب تموز يوم أعلن السيد نصرالله أنه لو كان يعلم حجم الدمار والقتل الذي أعقب عملية الأسر لربما غيّر الخطط... أو...
يومها، التقط إعلام السوء والسيادة المزعومة في لبنان وبعض العربان تلك اللحظة الإنسانية، للنيل من قامة سيد المقاومة وهامته؛ وحاول طمس اللحظة الإنسانية التي يرى فيها القائد عذابات شعبه وضحايا هذا الشعب، ويرى الدمار العظيم من حوله،
والشهداء، فيذرف دمعة.
يومها، لجأ الإعلام المعادي إلى تغليف ذلك الشعور الإنساني العظيم عند السيد بأغطية كثيفة وسميكة من الندم، فقط للنيل من رجاحة عقل القائد.
هنا نعود إلى نظرية الحاجّة صفيّة شومان التي تُمثًل كل أُمّهات فلسطين وجدّاتها، يوم أجلَست حفيدها وقصّت عليه، كيف بدأ التغلغل الِاستيطاني الذي عاشته في العفّولة، قبل النكبة بأربعة عقود.
ختمت الحاجّة صفية قصّتها عن العفّولة وفلسطين بقانون أزلي سرمدي لا يفقهه حكّام العرب حين قالت:
نحن والصهاينة لا يمكن أن نكون.
إمّا نحن، وإما هم.
هل يعرف السيد حسن هذا القانون؟
بالتأكيد، فهو ابن ولاية الفقيه التي أعلنت، ولا زالت، وسوف تظلّ تعلن وتعمل، لإنهاء هذا الوجود الِاستيطاني السرطاني من أي شبر في فلسطين وفي كامل الشرق الأوسط.
إذًا ما الأمر؟
ولماذا ظهر السيّد بصورة من لا يريد الحرب؟
إنّها الأخلاق أيها السادة.
إنها أخلاق الفرسان الذين في لحظة قمّة قوتهم وسيادتهم على الميدان، يرفضون قطع رأس الشرير وهو على ركبتيه جاثياً، ذليلاً، ضعيفا...
يعطونه فرصة الِانسحاب
بكلّ الذلّ الذي يعتريه.
كما في أفلام البطولات والفروسية، كذلك في الواقع.
يتمنّى السيّد أن يعي يوماً هؤلاء المستوطنون، أن لا مستقبل لهم في الشرق إلّا بقوانين هذا الشرق السماوية السامية.
لو انّهم فقط يجمعون حقائبهم ويعودون من حيث أتوا، فلا يضطر الفرسان إلى تلك المقتلة العظيمة.
الردع عند السيّد هو مرحلة.
مجرّد مرحلة يقف فيها الفارس ويقول للشرّير:
نحن لسنا فقط مقاومة،نحن محور مقاومة.
والشرّير يعرف أن هذه المقاومة التي بدأت تنظيمات متفرقة ضعيفة، سيئة التسليح، ولا يجرؤ أحدعلى دعمها، صارت جزءاً من محورٍ يمتدّ،من إيران واليمن ويمرّفي العراق وسوريا ولبنان ليصل ويصبّ في فلسطين، وهو قد وصلها، في قطاع غزة.
عشرات المرّات، أظهر الفارس لعدوه الحقائق الحتميّة، علّه يرحل.
اول امس، تكلّم الفارس بهدوء جدا جدا.
هل يجمع الشرّير حقائبه ويرحل؟
كلنا نرجو ذلك.
لكن الحقيقة الحتميّة بزوال هذا الكيان الِاستيطاني، لن تنتظر إلى ما لا نهاية....
اليوم ردع... وغداً حرب طاحنة لن يكون منها بدّ.
السيّد، الذي يقود حركة تحرّر وتحرير، يعرف أنه، في نهاية الأمر، لابد من الحرب.
مع هذه الحرب سوف يتساقط ملايين الشهداء.
مع هذه الحرب سوف يحلّ دمار عظيم.
قرار بدء هذه الحرب على سيّد، ذي خُلُق عظيم، ليس سهلا؛ بل، مؤلم أشدّ الألم أيضا.
مرّة أخرى، نعود إلى نظرية الدكتور جورج حبش.
عدوّنا لن يتراجع، وكلّ يوم سوف يزداد شراسةً في الِاحتلال، وفي الِاستباحة والظلم.
وهذا ما سوف يدفع الأمة يوماً للِانتفاض، فيكونَ النصر العظيم.
أمّا في الداخل، في لبنان، فمع الأخلاق قصّة أخرى.
قد يعطي البعض للكاتب ابراهيم الأمين حقاً، عندما يطلب من المقاومة الِانسحاب من السلطة التنفيذية الفاسدة.
وأنّ حماية المقاومة في النهاية، ليست عبر التواجد في السلطة، بل في سلاحها وقوتها.
لكن، هل من الصحّة بشيء، ترك البلد للفاسدين؟
قد يكون أخذ السلطة ضمن الظروف الحاليّة في لبنان وضرب الفاسدين، عملاً صعباً جداً، لكنّه ليس مستحيلا.
على المقاومة أن تنتقي حلفاءها، من كل الطوائف والمذاهب،مهما صَغُر حجمهم.
إنها الخطوة الأولى في مشوار الألف "ميل".
لكن البداية من هنا.
الأخلاق ليست دائما مطلوبة في التعامل مع الكيان.
كذلك في الداخل،
الأخلاق تفرض التعامل فقط مع من لديهم أخلاق.
عندما يكون الموجودون في السلطة ومعارضوها، ليسوا على أيّ شيءٍ من الأخلاق، فالمنطق يقول: إنه لا بدّ من العمل على ضربهم.
كيف؟
ببناء جبهةو طنية ثوريّة عابرة للطوائف والمذاهب والمناطق.
ومن عنده حلّ سحريّ آخر، فليتفضّل.