كتب الأستاذ د. محمّد كاظم المهاجر: ا
توضيح لدوافع هذه المقالة :
حرصت في مقالاتي، سواء المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي او مراكز البحوث، ان اتناول موضوعات فكرية لها حضور معاصر ومؤثر في منحى حياتنا الاجتماعية وتطورنا وبلورة فكرنا، وبسياق علمي تحليلي لا يطلق اي رأي/حكم ما لم يستند على البينة وتقديم الحجة، ووفق هذا السياق كانت مقالتي على الفيسبوك في الأوّل من كانون الأول 2021 ونشرت على موقع اضاءات الإخباري تحت عنوان:(بين الاحرار .......والعملاء) وأوضحت فيهاالمنحى التطبيقي لاستراتيجيات كل من بريجنسكي وكيسنجر مقرونة بما اعترفت به امريكا:تمويل عملائها ب 500 مليون دولار لتشويه سمعة حزب الله (يمكن العودة للمقالة على صفحتي ) ومن خلال التعليقات على المقالة استوقفني ( 4 ) تعليقات) صنفتها كالتالي :
1. عبارة عن تهجمات وشتائم بحق المقاومة الاسلامية وتطاول على سيد المقاومة , بحيث لا تعطي اي مجال للمناقشة وبأي شكل , لذا كان لابد من ردعها , وهذا ما فعلت وردعتها بالمستوى الذي يتناسب مع هذا المستوى المنحدر , وضمن السياق نفسه جاء تعليق مختصر وحقير يتطاول ليس فقط على المقاومة وانما ايضا على الشهداء، وجرى التعامل معه ايضا بصيغة مناسبة .
2.تعليق يطلق احكام على المقاومة وتعاملها السياسي غير مقرون بأية بينة اوحجة، وانما يطلق موقفاً مناهضاً للنهج السياسي للمقاومة الاسلامية، و بنمط دوغمائي متحجر غير قابل لأي تطور او معطىً سياسي مهما كان بيِّناً , وقرن ذلك بمحاولة الإساءة لي شخصيا .؟؟؟!!!!
3 . تعليق يضع نفسه في الموقف الاعلى،
ويطلق احكاماً تحدد الصح من الخطأ، وطبعاً بدون اي حجة او بيان او حتى سياق معرفي , ومع ذلك فموضوع مقالتي اليوم سيتناول تفنيد ما اطلقه حول منهجية التعامل مع التراث الاسلامي، مفترضاً طبعاً حسن النية لصاحب هذا التعليق.
_ سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله، في خطابه الموقر في 16/2/2021 وبرحابةصدره،يطالبنا بمناقشة الطروحات بحجة وبينة وبعيدا عن اي استفزاز او تهجم، وإنما ببرهان عقلي وبهدؤ أعصاب . وضمن هذا التوجه تأتي مقالتي اليوم،( ولكن ليسمح لي سيد المقاومة، بردع اي تعليق او مداخلة تحوي سباباً وشتائم وتهجمات، سأردعها بما يتناسب مع مستوى مطلقها، وصدري رحب لمناقشة أي مداخلة او تعليق ملتزم حدود الأدب، مهما اختلفت او تقاطعت معه في الرأي او الموقف، وسأناقشه بكل موضوعية وبكل احترام).
_ الفكر علية للارادة , واذا ماتوفر الامكان و الاقتدار تجسدت الارادة بفعل قائم , ومن هنا اي فعل ارادي لاينطلق من منظور فكري لا يعدو ان يكون تعبيراً عن رغبات وشهوات لِإشباع متطلبات او مصالح ذاتية , سواء على مستوى الذات او على مستوى بوتقة اجتماعية.
_ الفكر الاسلامي الذي تعتنقه المقاومة الاسلامية يستند في مصادره على العقل والنقل , النقل بأبعاده التنويرية الإلٰهية والعقل، بكل رؤياه المنطقية , وهو فكر متجدد ومتفاعل مع التطورات والمعطيات المتولدة، ومحيط بكل المفاهيم للوجود والمعرفة والعدالة والاخلاق ومفهوم الانسان والحرية وتفاعلها المعاصر، وليس بشكل جمودي سلفي متحجر، كماهو عند التكفيريين الدواعش بخلفيَّتهم الوهابية.( وفي هذا المجال أُشير الى المقالةالقيمةللدكتور محمد طي،على الفيسبوك بتاريخ 11شباط2021،ونشرت في جريدة الانباء ) , والسياسات التي تنهجها المقاومة تنبثق عن هذا المنظور العقائدي كأحكام معيارية , وهنا تتلازم الغائية مع الوسيلة، لا انفصام بينهما, فتأصيل ولادة الفعل بمظوره المعاصر لا يعني مطلقاً التماثل مع الماضي بشكل نقلي جمودي، كما يتوهم البعض ومنهم السيد رياض المعلق على مقالتي المشار اليها اعلاه , وضمن هذا السياق سأناقش رأيين يسودان في ثقافات الكثير من المثقفين وأنصاف المثقفين في العالم العربي والاسلامي :
1. الرأي / الحكم الذي يقف مبهوراً أمام التطور المادي الغربي عازياً خلفية تطوره الى المنظور الفكري الذي انطلق في عصر التنويروالحداثة،
والقاضي بقطع الصلة مع السلف قطعاً معرفياً(ابتسمولوجي) وبذلك يدعو الى التماثل مع الغرب في عالمنا العربي والاسلامي، لتمكينه من التطور ؟؟! هذا الرأي /الحكم يقع في قراءة سطحية لصيرورة التطور التي حدثت في الغرب.
اولا إن عملية القطع الابتسمولوجي التي اطلقت كان مبعثها حكم الكنيسة في القرون الوسطى وما رافقهامن ظلم وجهل.
ثانيا تأثرهابالفلسفات الغربية ( الوضعية , الطبيعيةوالمادية .......الخ ).
وحتى بقسم من الفكر العقلاني الذي يعترف بوجود الله،لكنه ينفي عنه الوحي( ديكارت , سبينوزا , عمانوئيل كنت .......الخ ).
أما التطور الذي حدث فلاعلاقة له بكل ذلك، انماخلفيته قائمةعلى
1. معاصرةتلك الفترة بالتطور العلمي والاكتشافات الصناعية التي رافقت انتشار النمط الرأسمالي.
2. انجاز اوروباالتراكم الرأسمالي المادي، كشرط اساسي للبنية الصناعية، وكان ذلك عبر النهب لموارد الدول الاخرى في ظل المرحلة الاستعمارية.
وبالتالي فإنّ هذا الرّأي/الحكمً وبالشروط العلمية المعيارية لايمكن ان يرقى الى مستوى الاطلاق، فالقطع الذي حدث بعليته التي أشرنا اليها نسبيٌّ مرتبط بدين معين وفي منطقة معينة، ومشاهدة واحدة تستند الى هذا المعطى لا يمكن ان تكون مطلقة، فهي نسبية ومحددة وبالتالي لايمكن مطلقاً ان نسحبها على عالمنا العربي والاسلامي، بالاضافة الى ذلك،أن من يعتنق هذا الرأي / الحكم عليه ان يوسع معرفته ويقرأ كتابات المفكرين الغربيين انفسهم، في مرحلة ما بعد الحداثة وكيف يفندون ويخطّئون هذا المنظور .
2. الرأي / الحكم الذي اطلقه بعض المفكرين العرب، ومضمونه أننا لسنا مطالبين بمنظور فكري تجاه المسائل الكلية المطلقة ( الوجود , نظرية المعرفة , الانسان , الاخلاق .............الخ).
وحتى مفهوم الحرية بمعناه المطلق، وانما نكتفي منها بالحريات الوضعية (حرية الرأي، المعتقد ......... الخ ) اي مفاهيم الحرية بمعناها التطبيقي الوضعي،
ان هذا السياق أوقع هذا المنظور فريسة للفلسفة الوضعية واعتناق التجربة والمنهج الاستقرائي، مُحدِثاً بذلك خللا جوهريا في علاقة العروبة بالاسلام، وهو بكل وضوح يتبنى الوضعية في التفكير ( المنهج العلمي التاريخي الجدلي )، علمي بمعنى التجربة والوضعية , تاريخي بمعنى الاستقراء , جدلي بمعنى قوانين الجدل الثلاث عند هيجل او في مقلوبها المادي عند ماركس.
أنا لا أنفي أهمية التجربة والاستقراء برفد المعرفة، ولكن لايمكن أن يشكل ذلك أبداً، مصادر للمعرفة بشموليتها و بشكل حصري، بل هو أحد مصادر المعرفة، نعم أمّا المصدر الأساسي للمعرفة، فهو العقل بمنظوره الكلي، ( الحكمة النظرية ) كمرشد ( للحكمة العملية )، وتعاملها مع معطيات الواقع القائم.
وفي فكرنا الاسلامي يعضد التنوير الإلٰهي العقل عبر النقل، الكشف المؤيد بالوحي الذي لايخالف البرهان العقلي اليقيني.
ومن المدرسة نفسها، صاحبة الرأي / الحكم الذي عرضناه، يأتي الرد في السياق القومي من المفكر ميشال عفلق، على صحة ما ذهبنا اليه في فكرنا الاسلامي، حيث يقول:( العروبة جسد روحها الاسلام )، ويطلق في مقالات له في مجلة"آفاق عربية" العراقية مجموعة مقالات في هذاالسياق في نهاية السبعينات من القرن الماضي، مؤكدا اهمية الفكر الاسلامي للنهوض العربي( سحبت المجلة من الأسواق في العراق ومُنِعت مقالات المفكر عفلق وذهب رئيس تحرير آفاق عربية( شفيق الكمالي)الى المجهول؟!).
نعم، انا مع المنحى الهادف الى النهوض عبر تأهيل الفكر القومي بأبعاده ومعطياته الاسلامية ورؤياه الكلية الإطلاقية، واختطاط منهج وسياسات تستند الى المنظور الاسلامي بكل تجلياته المتجددة المعاصرة . وأخصُّ، بالتحديد وبشكل مركّز، منهج التحرير الذي الذي بلورته المقاومة الاسلامية .
واخيراً، وبأسطرٍ قليلة للداعين الى القطع مع الفكر الاسلامي بمعطياته الكلية وبأُطره المعاصرة، وللقارئين بشكلٍ سطحيٍّ استراتيجية المقاومة الاسلامية (اعتبارها مذهبية تلج الى سياسات الدول؟؟؟!!) أقول:
إذا كانوا حريصين على مستقبل عالمنا العربي والاسلامي بنقاء عقلي، عليهم ان يوسعوا معرفتهم، على الأقل أن يقرأوا بعمق معطيات الوضع العالمي والاسلامي والعربي، حيث يتجلى محور المقاومة في نهجه وسياساته وإطار فاعليته باتّجاه غائية العدالة والتحرر و حق الشعوب.( اقرأوا ملخص عن مناقشتي مع المفكر الأمريكي البروفيسور كولينز، والتي استمرت شهرين ونشرت ملخصاً عنها في حلقتين على صفحتي على الفيسبوك، بتاريخ 5 و6 نيسان 2020 )، وسينشرها موقع إضاءات لاحقاً.
اقرأوا كتابات المفكرين الغربيين المنصفين أمثال جارودي وسيغريد هونكه وغيرهم كثر من المفكرين المنصفين .