كتب الأستاذ حليم خاتون:
عندما يموت الجسد..
عندما تموت الروح...
علميا، والى ما وصل إليه العلم حتى يومنا هذا، الجسد مادة.
المادة لا يمكن اندثارها.
لا يمكن للمادة أن تتحول الى العدم.
أساسا، علميا، لا يوجد شيء اسمه العدم.
المادة تتحول من حالة إلى حالة أخرى، أو من شكل إلى شكل آخر.
في عالم المادة، استطاع العلم الحديث سبر أغوار لم تصلها البشرية قبل اليوم؛ على الأقل، في الكون الذي نعرفه.
أما الروح، فهذه مسألة أكثر تعقيداً بكثير، ولا يزال العلم بعيداً جداً عن إمكانية إيجاد قوانين كونية للتعريف بها، كما فعل مع المادة.
دينياً، الجسد فانٍ، والروح أزلية، على الأقل، حتى يوم الدينونة.
وفَناء الجسد لا يعني اندثاره الى العدم.
من التراب والى التراب...
في الخيال العلمي، في السياسة، في الأخلاق، في الضمير، كل شيء جائز، بما في ذلك اندثار الجسد، وموت الروح...
في تاريخنا الإسلامي، عرفنا حالات مشابهة، قد تكون عرفتها الديانات والمعتقدات الأخرى.
عرفنا خلود روح الإمام الحسين ابن علي على مرّ الأزمان، وعرفنا موت روح الطاغية الملعون، يزيد بن معاوية؛ أو ربما خلود روحه في الجحيم.
في الحالتين، لم ولن يترحّم على ذلك الطاغية مخلوق ذو عقل وقلب.
منذ أيام، خرجت إلينا حالتان من خلود الروح... وموتها.
مضت روح أنيس النقّاش إلى ربها راضيةً مرضية، بعدما عجز جسده عن مقاومة فايروسٍ لا يُرى بالعين المجردة.
مات جسد أنيس النقّاش،لتفيض روحه في كل الأرجاء، تدعو إلى الحق الذي يعلو ولا يُعلى عليه.
وكما لاتزال أرواح الشهداء من كل الأمم تحوم في كل الأرجاء وتبقى خالدة في الدنيا وفي الآخرة، تدعو وتناصر قضايا الحق، كذلك
سوف تفعل روح أنيس التي يصعب علينا فراقها، لكنها، بالتأكيد، سوف تكون دوماً نبراساً وسراجاً يضيءلناطريق الجهاد في سبيل الحق والحقوق المسلوبة.
في الطرف الآخر، خرج علينا رجل، لطالما قدّرناه
ودافعنا عن ثوريته، يوم كانت تلك الثورية حيّة فيه، تنبع من روح حيّة فيّاضة.
بكل ذهول، يعجِز الكلام عن وصفه، وبعد وصول مقتطفاتٍ من "فكر" أحمدي نجاد على التواصل الِاجتماعي، فتشت واستمعت إلى مقابلة الرئيس الإيراني السابق مع تلفزيون الجديد، الذي ما كان لينقل هذه المقابلة لو كانت روح أحمدي نجاد لا زالت على قيد الحياة.
لبس الرئيس أحمدي نجاد لباس التصوف والزهد والإنسانية والنبوّة، محاولا ربح الغرب وأعراب الذل والخيانة، وقد ربح بالتأكيد تلفزيون الجديد، المُؤجّر إلى أجلٍ ما، لهؤلاء الأعراب... لكنه خسر نفسه..
ربما أراد أن يكون غاندي إيران، أو مانديلا أفريقيا، فإذا به يغرق في طوباوية
الصداقة والمحبة بين المظلومين والظالمين، طوباوية كانت الأم تيريزا
أكثر عقلانيةً حين لم تقع في هذا الخلط، بين الحق واغتصاب الحق، بين الباطل وتمجيد هذا الباطل.
أصاب العمى بصيرة أحمدي نجاد، فلم يرَ جحافل داعش والنصرة وقوات الأطلسي، وكلاب الجزيرة العربية، وهي تستبيح أرض بلاد الشام وسماءها.
وتحت كلمات حرية تقرير مصير الشعوب، تساوى الشعب الفلسطيني المكتمل الأوصاف، مع الرعاع الآتي من أربعة أربع أبعاد الكرة الأرضية في الكيان وفي أمريكا.
وتحول منشار محمد بن سلمان إلى منجل لحصاد القمح وكأن الخاشقجي لم يكن... هذا طبعاً، دون ذكر مواعظه لبوتين، ربما لترك السلطة لغورباتشيف آخر يقضي على ما تبقّى من روسيا.
جميلة جداً ربما آراؤه للتخلّص من كل الأسلحة النووية... تنقصه فقط قوة إقناع الإمبريالية بنزع أنيابها والتحوّل إلى حَمَلٍ وديع.
وإذا استمعت ال CIA إلى أحمدي نجاد، فربّما نراهم قريباً يجوبون العالم، لإرجاع ما نهبته الإمبريالية من مقدرات الشعوب المقهورة
والمضطّهدة.
اليوم فقط، فهمت أهميّة ولاية الفقيه، ومصلحة تشخيص النظام التي منعت أحمدي نجاد من الترشّح مرّة أخرى، بعدما كان فقد عقله وفقد مع هذا العقل، روح الثورة....
لقد خدعنا أحمدي نجاد، والحمدلله أن المؤسّسات في الجمهورية الإسلامية،
كانت يقظة ومنعت ساداتاً آخر كاد يطيح بالثورة الإيرانية، من الِاستيلاء على السلطة ولو عبر انتخابات.
منذ سنين، أثناء زيارتي لموقع جدار برلين، غضبت حين رأيت اسم أحمدي نجاد مع غيره من زعماءالعالم المعادين للإمبريالية
على أجزاء من هذا الجدار.
يبدو أن أحمدي نجاد استطاع أخيراً، الزحف على بطنه استرحاما.
من المؤكد، أني لن أرى اسمَه بين تلك الأسماء مرّة أخرى.
من يعرف، قد نرى اسمَ أحمدي نجاد قريبا مع اسماء القدّيسين الذين ينشرون المحبّة في كل أرجاء المعمورة وخلفه بن غوريون، وترامب و...