محمد مشرف الفقهاء :  قروا  ولاد يعبد  وإلا  لا قروا
مقالات
محمد مشرف الفقهاء : قروا ولاد يعبد وإلا لا قروا
14 آذار 2021 , 14:02 م
محمد مشرف الفقهاء/ قروا ولاد يعبد وإلا لا قروا

 

 

يقولون أن التاريخ لا يعيد نفسه وانا اقول يعيد نفسه ولكن بشكل أرقى مما كان عليه .

بلدة يعبد قرية فلسطينية تطل على منطقة المثلث وأقرب ما لها من البلدات أم الفحم وعرابة تحيط بها كروم التين والزيتون والصبر وتزين حدائق بيوتها أشجار الزنزلخت ذات الخضرة الداكنة تتمايل أوراقها مع نسيم البحر الآتي أمسيات الصيف كراقصة هزها الإيقاع وأستخفها الطرب لكن اكثر ما يعرفه الناس عن يعبد سهول البطيخ الذي ليس لطعمه ورائحته مثيل كما تترامى حولها حقول التبغ ذي الأوراق العريضة التي لا تدانيها نكهة في العالم ..

 

في البلدة مدرسة تستقبل مع تلاميذ البلدة تلاميذ القرى المجاورة كما أن بعض المعلمين يتوافدون إليها من خارج البلدة..

كان أحد المعلمين من بلدة عصيرة يأتي إلى المدرسة راكبا حمارا إذ لم يكن حينها إنتشار لوسائل المواصلات كما هي الآن وكان هذا المعلم يلف جسده ايام الشتاء الماطرة بمشمع يقي ملابسه البلل .

وحدث ان استيقظ ذات يوم كعادته واستعد للذهاب لمدرسته متجها الى يعبد لكن المطر كان غزيرا والبرد قارسا والرياح عاصفة فعاد ادراجه قائلا في نفسه ( قروا اولاد يعبد وإلا لا قروا ) في اليوم التالي تكررت معه نفس الحكاية فعاد ادراجه راجعا من منتصف الطريق يردد نفس العبارة ( قروا ولاد يعبد وإلا لا قروا ) واستمر الحال على هذا المنوال اسبوعا كاملا إلى أن اعتدل الطقس وتلاشت الغيوم واشرقت الشمس حيث وصل المعلم مدرسته فرحا لملاقاة زملائه وتلامذته لكن مدير المدرسة كما هي العادة قدم له استجوابا عن غيابه تلك المدة فشرح له السبب باختصار لكنه روى لزملائه القصة بحذافيرها لزملائه الذين راحوا يقهقهون بأعلى أصواتهم الأمر الذي دعا الطلاب للاستفسار عما جرى فوصلت لهم حكاية ( قروا ولاد يعبد وإلا لا قروا ) وبعدها انتشرت القصة في كل أنحاء ضفتي نهر الأردن ..

مرت الأيام وتخرج أحد تلاميذ مدرسة يعبد وتقدم بطلب لسفارة المملكة العربية ليعمل معلما حيث بدأ التعليم يغزو الدولة الشقيقة ولم يطل به الوقت إذا حصل على الموافقة ووقع العقد السنوي وحمل حقيبته مسافرا إلى الرياض وفي وزارة التربية السعودية عينوا له مدرسة تقع في جروف جبال عسير المطلة على سهل تهامة الضيق حيث لا يمكن الوصول إليها إلا سيرا على الأقدام أو ركوبا على الدواب .

هيأ اهل البلدة للمعلم سكنا اعتبر مترفا بالنسبة لهم لكنه لم يكن بالنسبة له إلا غرفة من حجارة وطين ومع هذا شد العزيمة على الصبر وتحمل الصعاب . صبيحة اليوم التالي أرشدوه إلى المدرسة التي لا تختلف عن سكنه إلا بعدد الغرف ..

ولدى دخوله غرفة الصف الأول ورؤية التلاميذ باعمارهم المختلفة وتفاوت أحجامهم حتى طافت بخاطره قصة معلمة من عصيرة الشمالية فضحك في نفسه وقال لتلاميذه : قيام فوقف التلاميذ ،  فقال لهم رددوا معي : ( قروا ولاد يعبد وإلا لا قروا ) فرددها التلاميذ وراءه كنشيد وطني ثم طلب منهم الجلوس بعدها انصرف التلاميذ لحديثهم بينما انصرف هو لتفكيره وخيالاته حتى انتهى وقت الحصة فطلب من القيام وترديد العبارة نفسها واستمر هذا الدرس اليتيم حتى نهاية العام . وتم تجديد عقد المعلم تلقائيا كما تتجدد أوامر الدفاع في العالم المتحضر ..

المصدر: وكالة سبوتنك + اضاءات