كتب طوني عيسى:
فجأة، قرَّر «حزب الله»أن يحسم اللعبة سريعاً ... سيكون خَطِراً عليه الإنتظار أكثر ...
في تقدير بعض المتابعين، أنّ «حزب الله» سارع إلى «تطويق» الوضع الداخلي،* لا من منطلق شعوره بالقوة بل بالقلق. *فالقرار الدولي - الإقليمي بإبعاد الوجودالإيراني عن شاطئ المتوسط وحدود شمال فلسطين المحتلة بات محسوماً، أياً تكن السيناريوهات المقبلة لملف العلاقات بين واشنطن وطهران.
وهذا يعني إضعاف دور «الحزب» في سوريا ولبنان معاً.
ويرى هؤلاء، أنّ موسكو هي المعنية بإخراج هذاالسيناريو، انطلاقاً من تحالفها مع إيران، والدور الذي تضطلع به في حماية النظام ورعاية الحل السوري، وأنّها تحظى بموافقة إسرائيل والقوى الدولية. وقد أبلغت «الحزب» بذلك في محادثات الأسبوع الفائت.
ولذلك،عمد"الحزب" إلى تنفيذ «مناورة سياسية» ... استباقاً لأي صفقة بين القوى الكبرى. وهو لذلك يستثمر أوراقه القوية، كالسلاح الدقيق والترسانة الصاروخية والتأثير على القرار الرسمي والدور العسكري في سوريا ...
وفقاً لبعض المحلِّلين، نفّذ"الحزب"في الأيام القليلة الفائتة، عملية سياسية شاملة،قوامُها الآتي:
1- إبلاغ الفرنسيين مباشرة...أنّ «الحزب» لم يعد يعنيه"تفاهُم قصر الصنوبر"في آب 2020 ...
2- إبلاغ الرئيس سعد الحريري أنّ عودته إلى السرايا مرهونة بالعودة إلى الحكومة السياسية التي استقالت، بعد أيام من حراك 17 تشرين الأول 2019.
3-التناغم مع الرئيس ميشال عون في هجومه على الحريري منتقلا من السلاح السياسي إلى سلاح الدستور، ووضعه في خانة المُدافع عن نفسه.
4- تذكير المجلس النيابي،... بأنّ سحب الثقة من الحريري يجب أن يصبح خياراً قابلاً للنقاش.
5- حث الرئيس حسّان دياب وحكومة تصريف الأعمال...على تولّي إدارة المرحلة حتى إنجاز تسوية جديدة.
6- تشجيع المؤسستين العسكرية والأمنية على ضبط الحراك في الشارع، ومنع انفلاته.
7- تحميل حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة المسؤولية عن انهيار سعر صرف الليرة، والدفع في اتجاه مجموعة تدابير مالية -نقدية-اجتماعية تكون بمثابة مُسكِّنات، في ظلّ ارتفاع الأسعار وانهيارمنظومة الدعم.
فانفجار الاحتقان في الشارع سيقود إلى خيارات يصعب التكهّن بها، وستكون مهمَّة إخماده شبه مستحيلة أو باهظة الكلفة.
8-تحميل قوى 14آذار وشرائح الحراك في الشارع المسؤوليةعن احتمال تحوّل الصدام في الشارع حرباًأهلية، وتخوين بعضها باتهامه بالسعي إلى هذه الحرب، مدعوماً من الخارج.
*المعنيون في الداخل يتعاطون جميعاً مع طروحات «الحزب» بمنتهى الجديّة ... عون، الحريري، دياب، المجلس النيابي والمؤسسات العسكرية والأمنية والمالية والنقدية.
ويراهن «الحزب» على أنّ *الحريري والفرنسيين سيجدون مصلحة لهم في العودة إلى ستاتيكو ما قبل 17 تشرين الأول 2019.
«الحزب» يعرف الحريري وله تجربة طويلة معه.
والحريري الذي تقدَّم بـ»استقالته» في الرياض، في خريف 2017، في سياق الضغط لِإبعاد حزب الله عن القرار السياسي ... سرعان ما تراجَع وعاد إلى مساره السابق تحت عنوان «الواقعية السياسية». وقد تلقّى في ذلك تشجيع صديقه الفرنسي إيمانويل ماكرون. وعلى الأرجح، يراهن «الحزب» اليوم على أنّ الحريري والفرنسيين سيكونون مجدداً مطواعين لتسويات مماثلة، لأنّ لا خيارات أخرى متاحة أمامهم.
والإشارة الأكثر تعبيراً صدرت عن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط. فالرجل التقط بـ»أنتيناته» علامات الخطر، ولم يتوانَ لحظة عن التصرُّف، ليحمي رأسه. وعلى طريقة و«ألف قَلْبة ولا غَلْبة»، قفز مجدداً من ضفة الخصوم مع "الحزب" والعهد- أو على الأقل من المنطقة الرمادية- إلى حضن الأقوياء. وبالتأكيد، هو استمع أمس إلى تفاصيل أخرى عن وجهة النظر الأميركية من السفيرة دوروثي شيا.
ردّة فعل المختارة أوحت بأنّ"الحزب" لا يمزح. فجنبلاط لايريد الوقوع مجدداً في المأزق السياسي الجاري، على غرار انجراره إلى7 أيار الأمنية في العام 2008، عندما كاد يدفع ثمناً باهظاً، هو والجماعة التي يمثِّلها سياسياً وطائفياً، وجغرافياً.
يبقى السؤال: هل إنّ مبادرة"الحزب" تعبِّر فعلاًعن فائض قوة، أو عن فائض قلقٍ من الآتي؟
المطَّلعون يقولون: التسويات التي يجري التحضير لها لم تتبلور بعد، ولم يظهر فيها الرابح والخاسر. لكن "الحزب" سدّد ضربات وقائية واتّخذ تدابير احتياطية، استباقاً لما يمكن أن يأتي.
الشرط الذي يمكن أن يحقّق لـ»الحزب» انتصاره في معركته الحالية، هو أن يتراجع الفرنسيون عن حكومة المستقلين ويوافقواعلى حكومة كحكومة دياب، أو على تعويم حكومة دياب ذاتها، وأن تسحب إدارة بايدن يدها من الشرق الأوسط في هذه المرحلة، وتقوم بتلزيم لبنان لقوة إقليمية مرّة أخرى، وهذا الخيار جدير بالتفكير.



